للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النّفس والضّمير من المعاني، فلا بدّ لكل منهما أن يكون واضح الدّلالة.

قال الله تعالى: «خَلَقَ الْإِنْسانَ، عَلَّمَهُ الْبَيانَ ٥٥: ٣- ٤» [١] وهو يشتمل بيان الأدلّة كلّها. فالخطّ المجوّد كماله أن تكون دلالته واضحة، بإبانة حروفه المتواضعة وإجادة وضعها ورسمها كلّ واحد على حدة متميّز عن الآخر. إلّا ما اصطلح عليه الكتّاب من إيصال حرف الكلمة الواحدة بعضها ببعض. سوى حروف اصطلحوا على قطعها، مثل الألف المتقدّمة في الكلمة، وكذا الراء والزاي والدال والذال وغيرها، بخلاف ما إذا كانت متأخرة، وهكذا إلى آخرها. ثمّ إنّ المتأخرين من الكتّاب اصطلحوا على وصل كلمات، بعضها ببعض، وحذف حروف معروفة عندهم، لا يعرفها إلّا أهل مصطلحهم فتستعجم على غيرهم وهؤلاء كتّاب دواوين السّلطان وسجلّات القضاة، كأنّهم انفردوا بهذا الاصطلاح عن غيرهم، لكثرة موارد الكتابة عليهم، وشهرة كتابتهم وإحاطة كثير من دونهم بمصطلحهم فإن كتبوا ذلك لمن لا خبرة له بمصطلحهم فينبغي أن يعدلوا عن ذلك إلى البيان ما استطاعوه، وإلّا كان بمثابة الخطّ الأعجميّ، لأنّهما بمنزلة واحدة من عدم التواضع عليه. وليس بعذر في هذا القدر، إلّا كتاب الأعمال السّلطانيّة في الأموال والجيوش، لأنّهم مطلوبون بكتمان ذلك عن النّاس فإنّه من الأسرار السّلطانيّة الّتي يجب إخفاؤها، فيبالغون في رسم اصطلاح خاص بهم، ويصير بمثابة المعمّى. وهو الاصطلاح على العبارة عن الحروف بكلمات من أسماء الطيب والفواكه والطّيور والأزاهير، ووضع أشكال أخرى غير أشكال الحروف المتعارفة يصطلح عليها المتخاطبون لتأدية ما في ضمائرهم بالكتابة. وربّما وضع الكتاب للعثور على ذلك، وإن لم يضعوه أوّلا، قوانين بمقاييس استخرجوها لذلك بمداركهم يسمّونها فكّ المعمّى. وللنّاس في ذلك دواوين مشهورة. والله العليم الحكيم.


[١] آية ٣ و ٤ من سورة الرحمن.

<<  <  ج: ص:  >  >>