للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعضهم عن بعض لما في طباعهم الحيوانيّة من العدوان والظّلم وليست السّلاح الّتي جعلت دافعة لعدوان الحيوانات العجم عنهم كافية في دفع العدوان عنهم لأنّها موجودة لجميعهم فلا بدّ من شيء آخر يدفع عدوان بعضهم عن بعض ولا يكون من غيرهم لقصور جميع الحيوانات عن مداركهم وإلهاماتهم فيكون ذلك الوازع واحدا منهم يكون له عليهم الغلبة والسّلطان واليد القاهرة حتّى لا يصل أحد إلى غيره بعدوان وهذا هو معنى الملك وقد تبيّن لك بهذا أنّ للإنسان خاصّة طبيعيّة ولا بدّ لهم منها وقد يوجد في بعض الحيوانات العجم على ما ذكره الحكماء كما في النّحل والجراد لما استقرئ فيها من الحكم والانقياد والاتّباع لرئيس من أشخاصها متميّز عنهم في خلقه وجثمانه إلّا أنّ ذلك موجود لغير الإنسان بمقتضى الفطرة والهداية لا بمقتضى الفكرة والسّياسة «أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى ٢٠: ٥٠» وتزيد الفلاسفة على هذا البرهان حيث يحاولون إثبات النبوّة بالدّليل العقليّ وأنّها خاصّة طبيعية للإنسان فيقرّرون هذا البرهان إلى غاية وأنّه لا بدّ للبشر من الحكم الوازع ثمّ يقولون بعد ذلك وذلك الحكم يكون بشرع مفروض من عند الله يأتي به واحد من البشر وأنّه لا بدّ أن يكون متميّزا عنهم بما يودع الله فيه من خواصّ هدايته ليقع التّسليم له والقبول منه حتّى يتمّ الحكم فيهم وعليهم من غير إنكار ولا تزيّف وهذه القضيّة للحكماء غير برهانيّة كما تراه إذ الوجود وحياة البشر قد تتمّ من دون ذلك بما يفرضه الحاكم لنفسه أو بالعصبيّة الّتي يقتدر بها على قهرهم وحملهم على جادّته فأهل الكتاب والمتّبعون للأنبياء قليلون بالنّسبة إلى المجوس الّذين ليس لهم كتاب فإنّهم أكثر أهل العالم ومع ذلك فقد كانت لهم الدّول والآثار فضلا عن الحياة وكذلك هي لهم لهذا العهد في الأقاليم المنحرفة في الشّمال والجنوب بخلاف حياة البشر فوضى دون وازع لهم البتّة فإنّه يمتنع وبهذا يتبيّن لك غلطهم في وجوب النّبوّات وأنّه ليس بعقليّ وإنّما مدركة الشّرع كما هو مذهب السّلف من الأمّة والله وليّ التوفيق والهداية

.

<<  <  ج: ص:  >  >>