للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من النّصارى. وأهل التّوراة الّذين بين العرب يومئذ بادية مثلهم ولا يعرفون من ذلك إلّا ما تعرفه العامّة من أهل الكتاب ومعظمهم من حمير الّذين أخذوا بدين اليهوديّة. فلمّا أسلموا بقوا على ما كان عندهم ممّا لا تعلّق له بالأحكام الشّرعيّة الّتي يحتاطون لها مثل أخبار بدء الخليقة وما يرجع إلى الحدثان والملاحم وأمثال ذلك. وهؤلاء مثل كعب الأحبار ووهب بن منبّه وعبد الله بن سلام وأمثالهم. فامتلأت التّفاسير من المنقولات عندهم [١] في أمثال هذه الأغراض أخبار موقوفة عليهم وليست ممّا يرجع إلى الأحكام فيتحرّى في الصّحّة الّتي يجب بها العمل. وتساهل المفسّرون في مثل ذلك وملئوا كتب التّفسير بهذه المنقولات.

وأصلها كما قلناه عن أهل التّوراة الّذين يسكنون البادية، ولا تحقيق عندهم بمعرفة ما ينقلونه من ذلك إلّا أنّهم بعد صيتهم وعظمت أقدارهم، لما كانوا عليه من المقامات في الدّين والملّة، فتلقّيت بالقبول من يومئذ. فلمّا رجع النّاس إلى التّحقيق والتّمحيص وجاء أبو محمّد بن عطيّة من المتأخرين بالمغرب فلخّص تلك التّفاسير كلّها وتحرّى ما هو أقرب إلى الصّحّة منها ووضع ذلك في كتاب متداول بين أهل المغرب والأندلس حسن المنحى. وتبعه القرطبيّ في تلك الطّريقة على منهاج واحد في كتاب آخر مشهور بالمشرق.

والصّنف الآخر من التّفسير وهو ما يرجع إلى اللّسان من معرفة اللّغة والإعراب والبلاغة في تأدية المعنى بحسب المقاصد والأساليب. وهذا الصّنف من التّفسير قلّ أن ينفرد عن الأوّل إذ الأوّل هو المقصود بالذّات. وإنّما جاء هذا بعد أن صار اللّسان وعلومه صناعة [٢] . نعم قد يكون في بعض التّفاسير غالبا ومن أحسن ما اشتمل عليه هذا الفنّ من التّفاسير كتاب الكشّاف للزّمخشريّ [٣] من أهل خوارزم العراق إلّا أنّ مؤلّفه من أهل الاعتزال في العقائد فيأتي بالحجاج على


[١] وفي النسخة الباريسية: من المنقولات عنهم.
[٢] وفي نسخة أخرى: صناعات.
[٣] (ورد في معجم البلدان: خوارزم ليس اسما للمدينة إنما هو اسم للناحية بجملتها وورد في كتاب الأعلام للزركلي، الزمخشريّ ولد في زمخشر من قرى خوارزم) .

<<  <  ج: ص:  >  >>