للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرّواية لأجل المطاعن الّتي تعترضه فيها والعلل الّتي تعرض في طرقها سيّما والجرح مقدّم عند الأكثر فيؤدّيه الاجتهاد إلى ترك الأخذ بما يعرض مثل ذلك فيه من الأحاديث وطرق الأسانيد ويكثر ذلك فتقلّ روايته لضعف في الطّرق.

هذا مع أنّ أهل الحجاز أكثر رواية للحديث من أهل العراق لأنّ المدينة دار الهجرة ومأوى الصّحابة ومن انتقل منهم إلى العراق كان شغلهم بالجهاد أكثر.

والإمام أبو حنيفة إنّما قلّت روايته لما شدّد في شروط الرّواية والتّحمّل وضعف رواية الحديث اليقينيّ إذا عارضها الفعل النّفسيّ. وقلّت من أجلها رواية فقلّ حديثه. لأنّه ترك رواية الحديث متعمّدا فحاشاه من ذلك. ويدلّ على أنّه من كبار المجتهدين في علم الحديث اعتماد مذهبه بينهم والتّعويل عليه واعتباره ردّا وقبولا. وأمّا غيره من المحدّثين وهم الجمهور فتوسّعوا في الشّروط وكثر حديثهم والكلّ عن اجتهاد وقد توسّع أصحابه من بعده في الشّروط وكثرت روايتهم.

وروى الطّحطاوي [١] فأكثر وكتب مسندة وهو جليل القدر إلّا أنّه لا يعدل الصّحيحين لأنّ الشّروط الّتي اعتمدها البخاريّ ومسلم في كتابيهما مجمع عليها بين الأمّة كما قالوه. وشروط الطّحطاويّ غير متّفق عليها كالرّواية عن المستور الحال وغيره فلهذا قدّم الصّحيحان بل وكتب السّنن المعروفة عليه لتأخّر شروطه عن شروطهم. ومن أجل هذا قيل في الصّحيحين بالإجماع على قبولهما من جهة الإجماع على صحّة ما فيهما من الشّروط المتّفق عليها. فلا تأخذك ريبة في ذلك فالقوم أحقّ النّاس بالظّنّ الجميل بهم والتماس المخارج الصّحيحة لهم. والله سبحانه وتعالى أعلم بما في حقائق الأمور.


[١] وفي نسخة أخرى: الطحاوي.

<<  <  ج: ص:  >  >>