وتسليم بعضهم لبعض في ذلك. فإنّ كثيرا من الواقعات بعده صلوات الله وسلامه عليه لم تندرج في النّصوص الثّابتة فقاسوها بما ثبت وألحقوها بما نصّ عليه بشروط في ذلك الإلحاق، تصحّح تلك المساواة بين الشّبيهين أو المثلين. حتّى يغلب على الظّنّ أنّ حكم الله تعالى فيهما واحد وصار ذلك دليلا شرعيا بإجماعهم عليه، وهو القياس وهو رابع الأدلّة. واتّفق جمهور العلماء على أنّ هذه هي أصول الأدلّة وإن خالف بعضهم في الإجماع والقياس إلّا أنّه شذوذ. وألحق بعضهم بهذه الأدلّة الأربعة أدلّة أخرى لا حاجة بنا إلى ذكرها، لضعف مداركها وشذوذ القول فيها. فكان من أوّل مباحث هذا الفنّ النّظر في كون هذه أدلّة. فأمّا الكتاب فدليله المعجزة القاطعة في متنه والتّواتر في نقله، فلم يبق فيه مجال للاحتمال.
وأمّا السّنّة وما نقل إلينا منها فالإجماع على وجوب العمل بما يصحّ منها كما قلناه، معتضدا بما كان عليه العمل في حياته صلوات الله وسلامه عليه من إنفاذ الكتب والرّسل إلى النّواحي بالأحكام والشّرائع آمرا وناهيا. وأمّا الإجماع فلاتّفاقهم رضوان الله تعالى عليهم على إنكار مخالفتهم مع العصمة الثّابتة للأمّة.
وأمّا القياس فبإجماع الصّحابة رضي الله عنهم عليه كما قدّمناه. هذه أصول الأدلّة. ثمّ إنّ المنقول من السّنّة محتاج إلى تصحيح الخبر بالنّظر في طرق النّقل وعدالة النّاقلين لتتميّز الحالة المحصّلة للظّنّ بصدقة الّذي هو مناط وجوب العمل بالخير. وهذه أيضا من قواعد الفنّ. ويلحق بذلك عند التّعارض بين الخبرين وطلب المتقدّم منها معرفة النّاسخ والمنسوخ وهي من فصوله أيضا وأبوابه. ثمّ بعد ذلك يتعيّن النّظر في دلالة [١] الألفاظ وذلك أنّ استفادة المعاني على الإطلاق من تراكيب الكلام على الإطلاق يتوقّف على معرفة الدّلالات الوضعيّة مفردة ومركّبة. والقوانين اللّسانيّة في ذلك هي علوم النّحو والتّصريف والبيان. وحين