للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن العهدة في ذلك لمن هي له، وكذلك على الأمّة. وقصارى أمر الإمامة أنّها قضيّة مصلحيّة إجماعيّة ولا تلحق بالعقائد فلذلك ألحقوها بمسائل هذا الفنّ وسمّوا مجموعه علم الكلام: إمّا لما فيه من المناظرة على البدع وهي كلام صرف وليست براجعة إلى عمل، وإمّا لأنّ سبب وضعه والخوض فيه هو تنازعهم في إثبات الكلام النّفسيّ. وكثر أتباع الشّيخ أبي الحسن الأشعريّ واقتفى طريقته من بعده تلميذه كابن مجاهد وغيره. وأخذ عنهم القاضي أبو بكر الباقلانيّ فتصدّر للإمامة في طريقتهم وهذّبها ووضع المقدّمات العقليّة الّتي تتوقّف عليها الأدلّة والأنظار وذلك مثل إثبات الجوهر الفرد والخلاء. وأنّ العرض لا يقوم بالعرض وأنّه لا يبقى زمانين. وأمثال ذلك ممّا تتوقّف عليه أدلّتهم. وجعل هذه القواعد تبعا للعقائد الإيمانيّة في وجوب اعتقادها لتوقّف تلك الأدلّة عليها وأنّ بطلان الدّليل يؤذن ببطلان المدلول. وجملت [١] هذه الطّريقة وجاءت من أحسن الفنون النّظريّة والعلوم الدّينيّة. إلّا أنّ صور الأدلّة فيها بعض الأحيان، على غير الوجه الصّناعيّ لسذاجة القوم ولأنّ صناعة المنطق الّتي تسير بها الأدلّة وتعتبر بها الأقيسة ولم تكن حينئذ ظاهرة في الملّة، ولو ظهر منها بعض الشّيء فلم يأخذ به المتكلّمون لملابستها للعلوم الفلسفيّة المباينة للعقائد الشّرعيّة بالجملة فكانت مهجورة عندهم لذلك. ثمّ جاء بعد القاضي أبي بكر الباقلّانيّ من أئمّة الأشعريّة إمام الحرمين أبو المعالي فأملى في الطّريقة كتاب الشّامل وأوسع القول فيه. ثمّ لخّصه في كتاب الإرشاد واتّخذه النّاس إماما لعقائدهم. ثمّ انتشرت من بعد ذلك


[ () ] من الإيمان واليقين بنزاهة النبي وعصمته عن الهوى والعرض. ولكن الله سبحانه لم يعذره في ذلك فأوحى إليه، «يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ من رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ ٥: ٦٧» . فلم بدا من الامتثال بعد هذا الإنذار الشديد فخطب الناس عند منصرفه من حجة الوداع في غديرهم فنادى وجلهم يسمعون: «ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ فقالوا اللَّهمّ نعم» فقال: «من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه» إلى آخر ما قال. ثم أكّد ذلك في مواطن أخرى تلويحا وتصريحا، واشارة ونصحا حتى أدى الوظيفة وبلغ عند الله المعذرة (ص ١٠٧- ١٠٨) (طبعة دار البحار- بيروت) .
[١] وفي نسخة أخرى: كملت.

<<  <  ج: ص:  >  >>