المقالات وأمثالها وشملوا بالنّكير سائر ما وقع لهم في الطّريقة. والحقّ أنّ كلامهم معهم فيه تفصيل فإنّ كلامهم في أربعة مواضع: أحدها الكلام على المجاهدات وما يحصل من الأذواق والمواجد ومحاسبة النّفس على الأعمال لتحصّل تلك الأذواق الّتي تصير مقاما ويترقّى منه إلى غيره كما قلناه، وثانيها الكلام في الكشف والحقيقة المدركة من عالم الغيب مثل الصّفات الرّبّانيّة والعرش والكرسيّ والملائكة والوحي والنّبوة والرّوح وحقائق كلّ موجود غائب أو شاهد وتركيب الألوان في صدورها عن موجودها وتكوّنها كما مرّ، وثالثها التّصرّفات في العوالم والأكوان بأنواع الكرامات، ورابعها ألفاظ موهمة الظّاهر صدرت من الكثير من أئمّة القوم يعبّرون عنها في اصطلاحهم بالشّطحات تستشكل ظواهرها فمنكر ومحسن ومتأوّل. فأمّا الكلام في المجاهدات والمقامات وما يحصل من الأذواق والمواجد في نتائجها ومحاسبة النّفس على التّقصير في أسبابها فأمر لا مدفع فيه لأحد وأذواقهم فيه صحيحة والتّحقّق بها هو عين السّعادة. وأمّا الكلام في كرامات القوم وأخبارهم بالمغيّبات وتصرّفهم في الكائنات فأمر صحيح غير منكر. وإن مال بعض العلماء إلى إنكارها فليس ذلك من الحقّ. وما احتجّ به الأستاذ أبو إسحاق الأسفراينيّ من أئمّة الأشعريّة على إنكارها لالتباسها بالمعجزة فقد فرّق المحقّقون من أهل السّنّة بينهما بالتّحدّي وهو دعوى وقوع المعجزة على وفق ما جاء به. قالوا: ثمّ إنّ وقوعها على وفق دعوى الكاذب غير مقدور لأنّ دلالة المعجزة على الصّدق عقليّة فإنّ صفة نفسها التّصديق. فلو وقعت مع الكاذب لتبدّلت صفة نفسها وهو محال. هذا مع أنّ الوجود شاهد بوقوع الكثير من هذه الكرامات وإنكارها نوع مكابرة. وقد وقع للصّحابة وأكابر السّلف كثير من ذلك وهو معلوم مشهور. وأمّا الكلام في الكشف وإعطاء حقائق العلويّات وترتيب صدور الكائنات فأكثر كلامهم فيه نوع من المتشابه لما أنّه وجدانيّ عندهم وفاقد الوجدان عندهم بمعزل عن أذواقهم فيه. واللّغات لا تعطى له دلالة على مرادهم