أبعد الشّماليّة وهو رأس السّرطان في سمت الرّؤوس وذلك حيث يكون عرض البلد أربعا وعشرين في الحجاز وما يليه وهذا هو الميل الّذي إذا مال رأس السّرطان عن معدّل النّهار في أفق الاستواء ارتفع بارتفاع القطب الشّماليّ حتّى صار مسامتا فإذا ارتفع القطب أكثر من أربع وعشرين نزلت الشّمس عن المسامتة ولا تزال في انخفاض إلى أن يكون ارتفاع القطب أربعا وستّين ويكون انخفاض الشّمس عن المسامتة كذلك وانخفاض القطب الجنوبيّ عن الأفق مثلها فينقطع التّكوين لإفراط البرد والجمد وطول زمانه غير ممتزج بالحرّ. ثمّ إنّ الشّمس عند المسامتة وما يقاربها تبعث الأشعّة قائمة وفيما دون المسامتة على زوايا منفرجة وحادّة وإذا كانت زوايا الأشعّة قائمة عظم الضّوء وانتشر بخلافه في المنفرجة والحادّة فلهذا يكون الحرّ عند المسامتة وما يقرب منها أكثر منه فيما بعد لأنّ الضّوء سبب الحرّ والتّسخين.
ثمّ إنّ المسامتة في خطّ الاستواء تكون مرّتين في السّنة عند نقطتي الحمل والميزان وإذا مالت فغير بعيد ولا يكاد الحرّ يعتدل في آخر ميلها عند رأس السّرطان والجدي إلّا إن صعدت إلى المسامتة فتبقى الأشعّة القائمة الزّوايا تلحّ على ذلك الأفق ويطول مكثها أو يدوم فيشتعل الهواء حرارة ويفرط في شدّتها وكذا ما دامت الشّمس تسامت مرّتين فيما بعد خطّ الاستواء إلى عرض أربع وعشرين فإنّ الأشعّة ملحّة على الأفق في ذلك بقريب من إلحاحها في خطّ الاستواء وإفراط الحرّ يفعل في الهواء تجفيفا ويبسا يمنع من التّكوين لأنّه إذا أفرط الحرّ جفّت المياه والرّطوبات وفسد التّكوين في المعدن والحيوان والنّبات إذ التّكوين لا يكون إلّا بالرّطوبة ثمّ إذا مال رأس السّرطان عن سمت الرّؤوس في عرض خمس وعشرين فما بعده نزلت الشّمس عن المسامتة فيصير الحرّ إلى الاعتدال أو يميل عنه ميلا قليلا فيكون التّكوين ويتزايد على التّدريج إلى أن يفرط البرد في شدّته لقلّة الضّوء وكون الأشعّة منفرجة الزّوايا فينقص التّكوين ويفسد بيد أنّ