للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمحاكاة وضورا ممّا يقصده من ذلك ثمّ ينزلها إلى الحسّ من الرّائين بقوّة نفسه المؤثّرة فيه فينظر الرّاءون كأنّها في الخارج وليس هناك شيء من ذلك، كما يحكى عن بعضهم أنّه يري البساتين والأنهار والقصور وليس هناك شيء من ذلك ويسمّى هذا عند الفلاسفة الشّعوذة أو الشّعبذة. هذا تفصيل مراتبه ثمّ هذه الخاصّيّة تكون في السّاحر بالقوّة شأن القوى البشريّة كلّها وإنّما تخرج إلى الفعل بالرّياضة ورياضة السّحر كلّها إنّما تكون بالتّوجّه إلى الأفلاك والكواكب والعوالم العلويّة والشّياطين بأنواع التّعظيم والعبادة والخضوع والتّذلّل فهي لذلك وجهة إلى غير الله وسجود له. والوجهة إلى غير الله كفر فلهذا كان السّحر كفرا والكفر من موادّه وأسبابه كما رأيت. ولهذا اختلف الفقهاء في قتل السّاحر هل هو لكفره السّابق على فعله أو لتصرّفه بالإفساد وما ينشأ عنه من الفساد في الأكوان والكلّ حاصل منه. ولمّا كانت المرتبتان الأوليان من السّحر لها حقيقة في الخارج والمرتبة الأخيرة الثّالثة لا حقيقة لها اختلف العلماء في السّحر هل هو حقيقة أو إنّما هو تخييل فالقائلون بأنّ له حقيقة نظروا إلى المرتبتين الأوليين والقائلون بأن لا حقيقة له نظروا إلى المرتبة الثّالثة الأخيرة. فليس بينهم اختلاف في نفس الأمر بل إنّما جاء من قبل اشتباه هذه المراتب والله أعلم. واعلم أنّ وجود السّحر لا مرية فيه بين العقلاء من أجل التّأثير الّذي ذكرناه وقد نطق به القرآن. قال الله تعالى: «وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ وَما يُعَلِّمانِ من أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ به بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَما هُمْ بِضارِّينَ به من أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ الله ٢: ١٠٢» [١] . وسحر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى كان يخيّل إليه أنّه يفعله وجعل سحره في مشط ومشاقة وجفّ طلعة ودفن في بئر ذروان فأنزل الله عزّ وجلّ عليه في المعوّذتين: «وَمن شَرِّ النَّفَّاثاتِ في الْعُقَدِ ١١٣: ٤» [٢] قالت عائشة رضي الله عنها: «كان


[١] سورة البقرة من الآية ١٠٢
[٢] سورة الفلق الآية الرابعة.

<<  <  ج: ص:  >  >>