أسراهم بسواحل المغرب الأقصى وصاروا إلى خدمة السّلطان فلمّا تعلّموا اللّسان العربيّ أخبروا عن حال جزائرهم وأنّهم يحتفرون الأرض للزّراعة بالقرون وأنّ الحديد مفقود بأرضهم وعيشهم من الشّعير وماشيتهم المعز وقتالهم بالحجارة يرمونها إلى خلف وعبادتهم السّجود للشّمس إذا طلعت ولا يعرفون دينا ولم تبلغهم دعوة ولا يوقف على مكان هذه الجزائر إلّا بالعثور لا بالقصد إليها لأنّ سفر السّفن في البحر إنّما هو بالرّياح ومعرفة جهات مهابّها وإلى أين يوصل إذا مرّت على الاستقامة من البلاد الّتي في ممرّ ذلك المهبّ وإذا اختلف المهبّ وعلم حيث يوصل على الاستقامة حوذي به القلع محاذاة يحمل السّفينة بها على قوانين في ذلك محصّلة عند النّواتية [١] والملّاحين الّذين هم رؤساء السّفن في البحر والبلاد الّتي في حافات البحر الرّوميّ وفي عدوته مكتوبة كلها في صحيفة على شكل ما هي عليه في الوجود وفي وضعها في سواحل البحر على ترتيبها ومهابّ الرّياح وممرّاتها على اختلافها معها في تلك الصّحيفة ويسمّونها الكنباص وعليها يعتمدون في أسفارهم وهذا كلّه مفقود في البحر المحيط فلذلك لا تلج فيه السّفن لأنّها إن غابت عن مرأى السّواحل فقلّ أن تهتدي إلى الرّجوع إليها مع ما ينعقد في جوّ هذا البحر وعلى سطح مائه من الأبخرة الممانعة للسّفن في مسيرها وهي لبعدها لا تدركها أضواء الشّمس المنعكسة من سطح الأرض فتحلّلها فلذلك عسر الاهتداء إليها وصعب الوقوف على خبرها. وأمّا الجزء الأوّل من هذا الإقليم ففيه مصبّ النّيل الآتي من مبدئه عند جبل القمر كما ذكرناه ويسمّى نيل السّودان ويذهب إلى البحر المحيط فيصبّ فيه عند جزيرة أوليك وعلى هذا النّيل مدينة سلا وتكرور وغانة وكلّها لهذا العهد في مملكة ملك مالي من أمم السّودان وإلى بلادهم تسافر تجّار المغرب الأقصى وبالقرب منها من شماليّها بلاد لمتونة وسائر طوائف الملثّمين ومفاوز يجولون فيها وفي جنوبيّ هذا النّيل قوم من السّودان يقال لهم