أوزانه وأزمانه وكيف تركيب الرّوح فيه وإدخال النّفس عليه؟ وهل تقدر النّار على تفصيلها منه بعد تركيبها؟ فإن لم تقدر فلأيّ علّة وما السّبب الموجب لذلك؟
فإنّ هذا هو المطلوب فافهم. واعلم أنّ الفلاسفة كلّها مدحت النّفس وزعمت أنّها المدبّرة للجسد والحاملة له والدّافعة عنه والفاعلة فيه. وذلك أنّ الجسد إذا خرجت النّفس منه مات وبرد فلم يقدر على الحركة والامتناع من غيره لأنّه لا حياة فيه ولا نور. وإنّما ذكرت الجسد والنّفس لأنّ هذه الصّفات شبيهة بجسد الإنسان الّذي تركيبه على الغذاء والعشاء وقوامه وتمامه بالنّفس الحيّة النّورانيّة الّتي بها يفعل العظائم والأشياء المتقابلة الّتي لا يقدر عليها غيرها بالقوّة الحيّة الّتي فيها. وإنّما انفعل الإنسان لاختلاف تركيب طبائعه ولو اتّفقت طبائعه لسلمت من الأعراض والتّضادّ ولم تقدر النّفس على الخروج من بدنه ولكان خالدا باقيا. فسبحان مدبّر الأشياء تعالى. واعلم أنّ الطّبائع الّتي يحدث عنها هذا العمل كيفيّة دافعة في الابتداء فيضيّة محتاجة إلى الانتهاء وليس لها إذا صارت في هذا الحدّ أن تستحيل إلى ما منه تركّبت كما قلناه آنفا في الإنسان لأنّ طبائع هذا الجوهر قد لزم بعضها بعضا وصارت شيئا واحدا شبيها بالنّفس في قوّتها وفعلها وبالجسد في تركيبه ومجسّته بعد أن كانت طبائع مفردة بأعيانها. فيا عجبا من أفاعيل الطّبائع إنّ القوّة للضّعيف الّذي يقوى على تفصيل الأشياء وتركيبها وتمامها فلذلك قلت قويّ وضعيف. وإنّما وقع التّعبير والفناء في التّركيب الأوّل للاختلاف وعدم ذلك في الثّاني للاتّفاق. وقد قال بعض الأوّلين التّفصيل والتّقطيع في هذا العمل حياة وبقاء والتّركيب موت وفناء. وهذا الكلام دقيق المعنى لأنّ الحكيم أراد بقوله حياة وبقاء خروجه من العدم إلى الوجود لأنّه ما دام على تركيبه الأوّل فهو فان لا محالة فإذا ركّب التّركيب الثّاني عدم الفناء.
والتّركيب الثّاني لا يكون إلّا بعد التّفصيل والتّقطيع فإذا التّفصيل والتّقطيع في هذا العمل خاصّة. فإذا بقي الجسد المحلول انبسط فيه لعدم الصّورة لأنّه قد صار