للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك أعظم معنى. ويسلكون بالطّبيعة الفكريّة على سدادها فيفضي بالطّبع إلى حصول الوسط والعلم بالمطلوب كما فطرها الله عليه. ثمّ من دون هذا الأمر الصّناعيّ الّذي هو المنطق مقدّمة أخرى من التّعلّم وهي معرفة الألفاظ ودلالتها على المعاني الذّهنيّة تردها [١] من مشافهة الرّسوم بالكتاب ومشافهة اللّسان بالخطاب. فلا بدّ أيّها المتعلّم من مجاوزتك هذه الحجب كلها إلى الفكر في مطلوبك. فأوّلا: دلالة الكتابة المرسومة على الألفاظ المقولة وهي أخفّها [٢] ثمّ دلالة الألفاظ المقولة على المعاني المطلوبة ثمّ القوانين في ترتيب المعاني للاستدلال في قوالبها المعروفة في صناعة المنطق. ثمّ تلك المعاني مجرّدة في الفكر اشتراطا يقتنص بها المطلوب بالطّبيعة الفكريّة بالتّعرّض لرحمة الله ومواهبه. وليس كلّ أحد يتجاوز هذه المراتب بسرعة ولا يقطع هذه الحجب في التّعليم بسهولة، بل ربّما وقف الذّهن في حجب الألفاظ بالمناقشات أو عثر في اشتراك الأدلّة بشغب الجدال والشّبهات وقعد عن تحصيل المطلوب. ولم يكد يتخلّص من تلك الغمرة إلّا قليلا ممّن هداه الله. فإذا ابتليت بمثل ذلك وعرض لك ارتباك [٣] في فهمك أو تشغيب بالشّبهات في ذهنك فاطرح ذلك وانتبذ حجب الألفاظ وعوائق الشّبهات واترك الأمر الصّناعيّ جملة وأخلص إلى فضاء الفكر الطّبيعيّ الّذي فطرت عليه. وسرّح نظرك فيه وفرّغ ذهنك فيه للغوص على مرامك منه واضعا لها حيث وضعها أكابر النّظّار قبلك مستعرضا للفتح من الله كما فتح عليهم من ذهنهم من رحمته وعلّمهم ما لم يكونوا يعلمون. فإذا فعلت ذلك أشرقت عليك أنوار الفتح من الله بالظّفر بمطلوبك وحصل الإمام الوسط الّذي جعله الله من مقتضيات [٤] هذا الفكر ونظره عليه كما قلناه وحينئذ فارجع


[١] وفي النسخة الباريسية: تؤديها.
[٢] وفي النسخة الباريسية: احفظها.
[٣] وفي النسخة الباريسية: ارتياب.
[٤] وفي النسخة الباريسية: من مفيضات.

<<  <  ج: ص:  >  >>