أيضا شأن من سبق له تعلّم الخطّ الأعجميّ قبل العربيّ. ولهذا نجد الكثير من علماء الأعاجم في دروسهم ومجالس تعليمهم يعدلون عن نقل التفاسير من الكتب إلى قراءتها ظاهرا يخفّفون بذلك عن أنفسهم مئونة بعض الحجب ليقرب عليهم تناول المعاني. وصاحب الملكة في العبارة والخطّ مستغن عن ذلك، بتمام ملكته، وإنّه صار له فهم الأقوال من الخطّ، والمعاني من الأقوال، كالجبلّة الراسخة، وارتفعت الحجب بينه وبين المعاني. وربّما يكون الدّؤوب على التعليم والمران على اللّغة، وممارسة الخطّ يفيضان لصاحبهما إلى تمكّن الملكة، كما نجده في الكثير من علماء الأعاجم، إلّا أنّه في النادر. وإذا قرن بنظيره من علماء العرب وأهل طبقته منهم، كان باع العربيّ أطول وملكته أقوى، لما عند المستعجم من الفتور بالعجمة السابقة الّتي يؤثر القصور بالضرورة ولا يعترض ذلك بما تقدّم بأنّ علماء الإسلام أكثرهم العجم، لأنّ المراد بالعجم هنالك عجم النّسب لتداول الحضارة فيهم الّتي قرّرنا أنّها سبب لانتحال الصنائع والملكات ومن جملتها العلوم. وأمّا عجمة اللّغة فليست من ذلك، وهي المرادة هنا. ولا يعترض ذلك أيضا ممّا كان لليونانيّين في علومهم من رسوخ القدم فإنّهم إنّما تعلّموها من لغتهم السابقة لهم وخطّهم المتعارف بينهم. والأعجميّ المتعلّم للعلم في الملّة الإسلاميّة يأخذ العلم بغير لسانه الّذي سبق إليه، ومن غير خطّه الّذي يعرف ملكته. فلهذا يكون له ذلك حجابا كما قلناه. وهذا عامّ في جميع أصناف أهل اللّسان الأعجميّ من الفرس والروم والتّرك والبربر والفرنج، وسائر من ليس من أهل اللّسان العربيّ. وفي ذلك آيات للمتوسمين.