فيها كتابه المشهور الّذي صار إماما لكلّ ما كتب فيها من بعده. ثمّ وضع أبو عليّ الفارسيّ وأبو القاسم الزّجّاج كتبا مختصرة للمتعلمين يحذون فيها حذو الإمام في كتابه. ثمّ طال الكلام في هذه الصّناعة وحدث الخلاف بين أهلها في الكوفة والبصرة المصرين القديمين للعرب. وكثرت الأدلّة والحجاج بينهم وتباينت الطّرق في التّعليم وكثر الاختلاف في إعراب كثير من آي القرآن باختلافهم في تلك القواعد وطال ذلك على المتعلّمين. وجاء المتأخّرون بمذاهبهم في الاختصار فاختصروا كثيرا من ذلك الطّول مع استيعابهم لجميع ما نقل كما فعله ابن مالك في كتاب التّسهيل وأمثاله أو اقتصارهم على المبادئ للمتعلّمين، كما فعله الزّمخشريّ في المفصّل وابن الحاجب في المقدّمة له. وربّما نظموا ذلك نظما مثل ابن مالك في الأرجوزتين الكبرى والصّغرى وابن معطي في الأرجوزة الألفيّة. وبالجملة فالتّآليف في هذا الفنّ أكثر من أن تحصى أو يحاط بها وطرق التّعليم فيها مختلفة فطريقة المتقدّمين مغايرة لطريقة المتأخّرين. والكوفيّون والبصريّون والبغداديّون والأندلسيّون مختلفة طرقهم كذلك. وقد كادت هذه الصّناعة تؤذن بالذّهاب لما رأينا من النّقص في سائر العلوم والصّنائع بتناقص العمران ووصل إلينا بالمغرب لهذه العصور ديوان من مصر منسوب إلى جمال الدّين بن هشام من علمائها استوفى فيه أحكام الإعراب مجملة ومفصّلة. وتكلّم على الحروف والمفردات والجمل وحذف ما في الصّناعة من المتكرّر في أكثر أبوابها وسمّاه بالمغني في الإعراب. وأشار إلى نكت إعراب القرآن كلّها وضبطها بأبواب وفصول وقواعد انتظم سائرها فوقفنا منه على علم جمّ يشهد بعلوّ قدره في هذه الصّناعة ووفور بضاعته منها وكأنّه ينحو في طريقته منحاة أهل الموصل الّذين اقتفوا أثر ابن جنّيّ واتّبعوا مصطلح تعليمه فأتى من ذلك بشيء عجيب دالّ على قوّة ملكته واطّلاعه. والله يزيد في الخلق ما يشاء