من الإيضاح والعناية به لهذا العهد عند أهل المشرق في الشّرح والتّعليم منه أكثر من غيره. وبالجملة فالمشارقة على هذا الفنّ أقوم من المغاربة وسببه والله أعلم أنّه كماليّ في العلوم اللّسانيّة والصّنائع الكماليّة توجد في وفور العمران. والمشرق أوفر عمرانا من المغرب كما ذكرناه. أو نقول لعناية العجم وهم معظم أهل المشرق كتفسير الزّمخشريّ، وهو كلّه مبنيّ على هذا الفنّ، وهو أصله. وإنّما اختصّ بأهل المغرب من أصنافه علم البديع خاصّة، وجعلوه من جملة علوم الأدب الشّعريّة، وفرّعوا له ألقابا وعدّدوا أبوابا ونوّعوا أنواعا. وزعموا أنّهم أحصوها من لسان العرب وإنّما حملهم على ذلك الولوع بتزيين الألفاظ، وأنّ علم البديع سهل المأخذ. وصعبت عليهم مآخذ البلاغة والبيان لدقّة أنظارهما وغموض معانيهما فتجافوا عنهما. وممّن ألّف في البديع من أهل إفريقية ابن رشيق وكتاب العمدة له مشهور. وجرى كثير من أهل إفريقية والأندلس على منحاه. واعلم أنّ ثمرة هذا الفنّ إنّما هي في فهم الإعجاز من القرآن لأنّ إعجازه في وفاء الدّلالة منه بجميع مقتضيات الأحوال منطوقة ومفهومة وهي أعلى مراتب الكمال مع الكلام فيما يختصّ بالألفاظ في انتفائها وجودة رصفها [١] وتركيبها وهذا هو الإعجاز الّذي تقصّر الأفهام عن إدراكه. وإنّما يدرك بعض الشّيء منه من كان له ذوق بمخالطة اللّسان العربيّ وحصول ملكته فيدرك من إعجازه على قدر ذوقه. فلهذا كانت مدارك العرب الّذين سمعوه من مبلّغه أعلى مقاما في ذلك لأنّهم فرسان الكلام وجها بذته والذّوق عندهم موجود بأوفر ما يكون وأصحّه. وأحوج ما يكون إلى هذا الفنّ المفسّرون وأكثر تفاسير المتقدّمين غفل عنه حتّى ظهر جار الله الزّمخشريّ ووضع كتابه في التّفسير وتتبّع آي القرآن بأحكام هذا الفنّ بما يبدي البعض من إعجازه فانفرد بهذا الفضل على جميع التّفاسير لولا أنّه يؤيد عقائد أهل البدع عند اقتباسها من القرآن بوجوه البلاغة. ولأجل هذا يتحاماه كثير من أهل