للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القراءات في الرسم واستظهرتهما وتدارست كتابي ابن الحاجب في الفقه والأصول وجمل الخونجيّ في المنطق وبعض كتاب التّسهيل وكثيرا من قوانين التّعليم في المجالس فامتلأ محفوظي من ذلك وخدش وجه الملكة الّتي استعددت [١] لها بالمحفوظ الجيّد من القرآن والحديث وكلام العرب تعاق القريحة عن بلوغها.

فنظر إليّ ساعة معجبا [٢] ثمّ قال: للَّه أنت وهل يقول هذا إلّا مثلك؟ ويظهر لك من هذا الفصل وما تقرّر فيه سرّ آخر وهو إعطاء السّبب في أنّ كلام الإسلاميّين من العرب أعلى طبقة في البلاغة وأذواقها من كلام الجاهليّة في منثورهم ومنظومهم.

فإنّا نجد شعر حسّان بن ثابت وعمر بن أبي ربيعة والحطيئة وجرير والفرزدق ونصيّب وغيلان ذي الرّمّة والأحوص وبشّار ثمّ كلام السّلف من العرب في الدّولة الأمويّة وصدرا من الدّولة العبّاسيّة في خطبهم وترسيلهم ومحاوراتهم للملوك أرفع طبقة في البلاغة من شعر النّابغة وعنترة وابن كلثوم وزهير وعلقمة بن عبدة وطرفة بن العبد ومن كلام الجاهليّة في منثورهم ومحاوراتهم والطّبع السّليم والذّوق الصّحيح شاهدان بذلك للنّاقد البصير بالبلاغة. والسّبب في ذلك أنّ هؤلاء الّذين أدركوا الإسلام سمعوا الطّبقة العالية من الكلام في القرآن والحديث اللّذين عجز البشر عن الإتيان بمثليهما لكونها ولجت في قلوبهم ونشأت على أساليبها نفوسهم فنهضت طباعهم وارتقت ملكاتهم في البلاغة على ملكات من قبلهم من أهل الجاهليّة ممّن لم يسمع هذه الطّبقة ولا نشأ عليها فكان كلامهم في نظمهم ونثرهم أحسن ديباجة وأصفى رونقا من أولئك وأرصف مبنى وأعدل تثقيفا بما استفادوه من الكلام العالي الطّبقة. وتأمّل ذلك يشهد لك به ذوقك إن كنت من أهل الذّوق والبصر بالبلاغة. ولقد سألت يوما شيخنا الشّريف أبا القاسم قاضي غرناطة لعهدنا وكان شيخ هذه الصّناعة أخذ بسبتة عن جماعة من مشيختها من


[١] وفي نسخة أخرى: استدعيت.
[٢] وفي نسخة أخرى: متعجبا.

<<  <  ج: ص:  >  >>