للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي المعالي والشرف يبعدوا وفي التواضع والحيا يقربوا والله يبقيهم ما دار الفلك وأشرقت شمسه ولاح كوكبو وما يغني ذا القصيد في عروض يا شمس خدر ما لها مغربو

ثمّ استحدث أهل الأمصار بالمغرب فنا آخر من الشّعر، في أعاريض مزدوجة كالموشّح، نظموا فيه بلغتهم الحضريّة أيضا وسمّوه عروض البلد، وكان أول من استحدثه فيهم رجل من أهل الأندلس نزل بفاس يعرف بابن عمير، فنظم قطعة على طريقة الموشّح ولم يخرج فيها عن مذاهب الإعراب إلّا قليلا مطلعها:

أبكاني بشاطئ النهر نوح الحمام ... على الغصن في البستان قريب الصباح

وكف السحر يمحو مداد الظلام ... وماء الندى يجري بثغر الاقاح

باكرت الرياض والطل فيها افتراق ... كثير الجواهر في نحور الجوار

ودمع النواعير ينهرق انهراق ... يحاكي ثعابين حلقت بالثمار

لووا بالغصون خلخال على كل ساق ... ودار الجميع بالروض دور السوار

وأيدي الندى تخرق جيوب الكمام ... ويحمل نسيم المسك عنها رياح

وعاج الصبا يطلى بمسك الغمام ... وجرّ النسيم ذيلو عليها وفاح

رأيت الحمام بين الورق في القضيب ... قد ابتلت ارياشو بقطر الندى

تنوح مثل ذاك المستهام الغريب ... قد التف من توبو الجديد في ردا

ولكن بما أحمر وساقو خضيب ... ينظم سلوك جوهر ويتقلدا

جلس بين الأغصان جلسة المستهام ... جناحا توسد والتوى في جناح

وصار يشتكي ما في الفؤاد من غرام ... منها ضمّ منقاره لصدره وصاح

قلت يا حمام أحرمت عيني الهجوع ... أراك ما تزال تبكي بدمع سفوح

قال لي بكيت حتى صفت لي الدموع ... بلا دمع نبقي طول حياتي ننوح

على فرخ طار لي لم يكن لو رجوع ... ألفت البكا والحزن من عهد نوح

كذا هو ألوفا وكذا هو الزمام ... انظر جفون صارت بحال الجراح

<<  <  ج: ص:  >  >>