قال ابن كريّون: ثم ترجمت التوراة لليونانيين وكان من خبرها أنّ تلماي [١] ملك مصر من اليونانيين بعد الإسكندر، وكان من أهل مقدونية، وكان محبا للعلوم ومشغوفا بالحكمة والكتب الإلهية. وذكرت له كتب اليهود الأربعة والعشرون سفرا فتاقت نفسه للوقوف عليها، وكتب إلى كهنون القدس في ذلك وأهدى له، فاختار سبعين من أحبار اليهود وعلمائهم وفيهم كوهن عظيم اسمه ألعازر، وبعثهم إليه ومعهم الأسفار فتلقاهم بالكرامة وأوسع لهم النزول ورتب مع كل واحد كاتبا يملي عليه ما يترجم له، حتى ترجم الأسفار من العبرانية إلى اليونانية، وصحّحها وأجاز الأحبار وأطلق لهم من كان بمصر من سبي اليهود نحوا من مائة ألف، وصنع مائدة من الذهب نقشت عليها صورة أرض مصر والنيل ورصعها بالجواهر والفصوص وبعث بها إلى القدس فأودعت في الهيكل.
ثم ملك تلماي صاحب مصر، واستولى بعده أنطيخوس صاحب مقدونية على أنطاكية ثم على مصر، وأطاعه ملوك الطوائف بأرض العراق، واستفحل ملكه وعظم طغيانه، وأمر الأمم بعبادة الأصنام. وعمل أصناما على صورته، فامتنع اليهود من قبولها وسعى بهم عنده بعض شرارهم، وكانوا أهل نجدة وشوكة، فسار انطيخوس إليهم وأثخن فيهم بالقتل والسبي، وفروا إلى الجبال والبراري، فرجع واستخلف على بيت المقدس قائدة فليلقوس، وأمره أن يحملهم على السجود لأصنامه وعلى أكل الخنزير وترك السبت والختان، ويقتل من يخالفه. ففعل ذلك أشدّ ما يكون، وبسط على اليهود أيدي أولئك الأشرار الساعين، وقتل العازر الكوهن الّذي ترجم لهم التوراة لمّا امتنع من السجود لصنمه وأكل قربانه. وكان فيمن هرب إلى الجبال والبراري متيتيّا بن يوحنّا بن شمعون الكوهن الأعظم ويعرف بحشمناي بن حونيّا من بني نوذاب من نسل هارون عليه السلام، وكان رجلا صالحا خيّرا شجاعا، وأقام بالبرية وحزن لما نزل بقومه. فلما أبعد انطيخوس الرحلة عن القدس، بعث متيتيّا إلى اليهود يعرفهم بمكانه، وينمعض لهم ويحرّضهم على الثورة على اليونانيين، فأجابوه وتراسلوا في ذلك، وبلغ الخبر فليلقوس قائد أنطيخوس، فسار في عسكره إلى البريّة طالبا متيتيا وأصحابه، فلما وصل إليهم حاربهم فغلبوه وانهزم في عساكره.