للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن كريّون: وكان اليهود في دينهم يومئذ ثلاث فرق. فرقة الفقهاء وأهل القياس [١] ويسمّونهم الفروشيم وهم الربّانيّون، وفرقة الظاهريّة المتعلقين بظواهر الألفاظ من كتابهم ويسمونهم الصدوقيّة وهم القرّاءون، وفرقة العبّاد المنقطعين إلى العبادة والتسبيح والزهاد فيما سوى ذلك ويسمونهم الحيسيد. وكان هرقانوس وآباؤه من الربانيين، ففارق مذهبهم إلى القراءين لأنه جمع اليهود يوما عند ما تمهّد أمره، وأخذ بمذاهب الملك، وألقى به في صنيع احتفل فيه وألان لهم جانبه وخضع في قوله وقال:، أريد منكم النصيحة. فطمع بعض الربانيين فيه وقال: إنّ النصيحة أن تنزل عن الكهنونة وتقتصر على الملك وقد فاتك شرطها لأنّ أمك كانت سبية من أيام أنطيخوس. فغضب لذلك وقال للربانيين: قد حكمتكم في صاحبكم فأخذوا في تأديبه بالضرب فتنكر لهم من أجل ذلك، وفارق مذهبهم إلى مذهب القراءين، وقتل من الربانيين خلقا كثيرا، ونشأت الفتنة بين هاتين الطائفتين من اليهود، واتصلت بينهم الحرب إلى هذا العهد.

وهلك هرقانوس لإحدى وثلاثين سنة من دولته، وملك بعده ابنه أرستبلوس وكان كبيرهم، وكان له ولدان آخران وهم أنطقنوس ويحبّ الملك له ويبغض الإسكندر فأبعده إلى جبل الخليل، فلما ملك أرستبلوس أخذ من اخوته بمذهب أبيهم وقبض على الإسكندر وأمه واستخلص أنطقنوس وقدّمه على العساكر، واكتفى به في الحروب، وترفع عن تاج الكهنونة ولبس تاج الملك. وخرج أنطقنوس إلى الأمم المجاورين الخارجين عن طاعتهم فردّهم إلى الطاعة، وكثرت السعاية فيه عند أخيه من البطانة وأغروه به، فلما قدم أنطقنوس من مغيبه وافق عيد المظال، وكان أخوه ملتزما بيته لمرض طرقه، فعدل أنطقنوس عن بيته إلى الهيكل للتبرك، فأوهموا الملك أنّه إنما فعل ذلك لاستمالة الكهنونية والعامة وأنّه يروم قتل أخيه، وعلامة ذلك أنّه جاء بسلاحه، فعهد أرستبلوس إلى حشمانه وغلمان قصه إن جاء متسلحا أن يقتلوه.

وكان ذلك وتمت حيلة البطانة وسعايتهم عليه وعلم أرستبلوس أن قد خدع في أخيه، فندم واغتمّ ولطم صدره حتى قذف الدم من فيه، وأقام عليلا بعده حولا كاملا ثم هلك. فأفرجوا على أخيه الإسكندر من محبسه، وبايعوا له بالملك واستقام له الأمر، ثم انتقض عليه أهل عكّا وأهل صيدا وأهل غزة بعثوا إلى قبرص، وسار


[١] وفي نسخة اخرى: أهل القيافة.

<<  <  ج: ص:  >  >>