خلق العالم وإنما قال هو كلمة الله التي بها خلق كما وقع في الإنجيل. فقال أثناس بطرك الاسكندرية: وهذا الكلام أيضا يقتضي أنّ الابن مخلوق وأنه خلق المخلوقات دون الأب لأنه إذا كان يخلق به فالأب لم يخلق شيئا لأنه مستعين بغيره والفاعل بغيره محتاج إلى ذلك المتمّم فهو في ذاته الخالق والله سبحانه منزّه عن ذلك وإن زعم أريوس ان الأب يريد الشيء والابن يكونه فقد جعل فعل الابن أتمّ لأنّ الأب إنما له الارادة فقط وللابن الاختراع فهو أتم.
فلما ظهر بطلان مقالة أريوس وثبوا على أومانيوس المناظر عن مقالة أريوس وضربوه ضربا وجيعا، وخلصه ابن أخت الملك، ثم قدّسوا الكنائس، وانفضّ الجمع وبلغ الخبر إلى قسطنطين فندم على بطركية أوسانيوس بالقسطنطينية وغضب عليه ومات لسنتين من رياسته، واجتمع بعد ذلك أصحاب أريوس إلى قسطنطين فحسنوا له تلك المقالة، وأنّ جماعة نيقية ظلموا أريوس وبغوا عليه وصدّوا عن الحق في قولهم إنّ الأب مساو للابن في الجوهرية وكاد الملك أن يقبل منهم. فكتب إليه كيراش أسقف بيت المقدس يحذره من مقالة أريوس فقبل ورجع. واختلف حال ملوك القياصرة بعد قسطنطين في الأخذ بالأمانة أو بمقالة أريوس، وظهور إحدى الطائفتين متى كان الملك على دينهم. وأفحش بعض ملوك القياصرة في الحق على مخالفه، فقال له بعض العلماء والحكماء: لا تنكر المخالفة فالحنفاء يختلفون أيضا وإنما هم الخلق يحمدون الله ويصفونه بالصفات الكثيرة والله يحب ذلك. فسكن بعض الشيء وكان بعضهم يعرض عن الطائفتين ويخلي كل أحد ودينه.
ثم كان المجمع الثاني بقسطنطينية بعد مجمع نيقية بمائتين وخمسين سنة اجتمعوا للنظر في مقالة مقدونيوس وسليوس، بأن جسد المسيح بغيرنا موت وأنّ اللاهوت أغناه عنها، مستدلين بما وقع في الإنجيل أنّ الكلمة صار لحما ولم يقل صار إنسانا، وجعلا من الإله عظيما وأعظم منه والأب أفضل عظما. وقال: إن الأب غير محدود في القوّة وفي الجوهر. فأبطلوا هذه المقالة ولعنوهما وأشادوا بكفرهما وزادوا في الأمانة التي قرّرها جماعة نيقية ما نصه:«ونؤمن بروح القدس المنتقى من الأب» . ولعنوا من يزيد بعد ذلك على كلمة الأمانة أو ينقص منها.
ثم كان لهم بعد ذلك بأربعين سنة المجمع الثالث على نسطوريوس البطرك بالقسطنطينية لأنه كان يقول: إنّ مريم لم تلد إلها وإنما ولدت إنسانا، وإنما اتحد به في المشيئة لا في الذات وليس هو إلها حقيقية بل بالموهبة والكرامة. ويقول بجوهرين