للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مجلسه يوما إذا بفرس [١] عابر لم يطق أحد إمساكه قد وقف ببابه، فقام إليه ليتولى إمساكه بنفسه فرمحه فمات لوقته لإحدى وعشرين سنة من ملكه.

وملك بعده ابنه بهرام بن يزدجرد ويلقب ببهرام جور، وكان نشوؤه ببلاد الحيرة مع العرب أسلمه أبوه إليهم فربّي بينهم وتكلّم بلغتهم ولما مات أبوه قدّم أهل فارس رجلا من نسل أردشير، ثم زحف بهرام جور بالعرب فاستولى على ملكه نذكر في أخبار آل المنذر. وفي. يام بهرام جور سار خاقان ملك الترك إلى بلاد الصغد من ممالكه فهزمه بهرام وقتله، ثم غزا الهند وتزوّج ابنة ملكهم فهابته ملوك الأرض، وحمل إليه الروم الأموال على سبيل المهادنة، وهلك لتسع وعشرين من دولته.

وملك ابنه يزدجرد بن بهرام جور واستوزر مهر برسي الحكيم الّذي كان أبوه استوزره، وجرى في ملكه بأحسن سيرة من العدل والإحسان، وهو الّذي شرع في بناء الحائط بناحية الباب والأبواب، وجعل جبل الفتح سدا بين بلاده وما وراءها من أمم الأعاجم، وهلك لعشرين سنة من دولته.

وملك من بعده ابنه هرمز وكان ملكا على سجستان فغلب على الدولة ولحق أخوه فيروز بملك الصغد بمروالروذ. وهذه الأمم هم المعروفون قديما بالهياطلة وكانوا بين خوارزم وفرغانة، فأمر فيروز بالعساكر وقاتل أخاه هرمز فغلبه وحبسه. وكانت الروم قد امتنعت من حمل الخراج فحمل إليهم العساكر مع وزيره مهر برسي، فأثخن في بلادهم حتى حملوا ما كان يحملونه واستقام أمره وأظهر العدل. وأصابهم القحط في دولته سبع سنين فأحسن تدبير الناس فيها وكفّ عن الجباية وقسّم الأموال، ولم يهلك في تلك السنين أحد إتلافا. وقيل أنه استسقى لرعيته من ذلك القحط فسقوا وعادت البلاد إلى أحسن ما كانت عليه. وكان لأول ما ملك أحسن إلى الهياطلة جزاء بما أعانوه على أمره، فقوي ملكهم أمره وزحفوا إلى أطراف ملكه وملكوا طخارستان وكثيرا من بلاد خراسان وزحف هو إلى قتالهم فهزموه وقتلوه وأربعة بنين له وأربعة إخوة واستولوا على خراسان بأسرها. وسار إليهم رجل من عظماء الفرس من أهل شيراز فغلبهم على خراسان وأخرجهم منها حتى ألقوا بجميع ما أخذوه من عسكر فيروز من الأسرى والسبي، وكان مهلكه لسبع وعشرين من ملكه. وبنى المدن بالري


[١] وردت هذه القصة في كتاب التاج للجاحظ ص ٢٧٤: « ... وقالت الفرس، هذا ملك من الملائكة جعله الله في صورة فرس، فبعثه لقتل يزدجرد لما ظلم الرعية وعاث في الأرض» .

<<  <  ج: ص:  >  >>