أن يعطي الروم قيمة ما أفسدوه من بلاد فارس وأعطوا بدلا عن ذلك نصيبين فرضي بها أهل فارس، وكانت ممّا أخذه الروم من أيديهم فملكها سابور وشرّد عنها أهلها خوفا من سطوته، فنقل إليها من أهل إصطخر وأصبهان وغيرهما. وانصرف يوسانوس بالروم وهلك عن قرب ورجع سابور إلى بلاده.
وفيما نقله بعض الأخباريّين إنّ سابور دخل بلاد الروم متنكرا وعثر عليه فأخذ وحبس في جلد ثور وزحف ملك الروم بعساكره إلى جنديسابور فحاصرها، وإن سابور هرب من حبسه ودخل جنديسابور المدينة ثم خرج إلى الروم فهزمهم وأسر ملكهم قيصر، وأخذه بعمارة ما خرّب من بلاده ونقل التراب والغروس إليها ثم قطع أنفه وبعث به على حمار إلى قومه، وهي قصة واهية تشهد العادة بكذبها.
ثم هلك سابور لاثنتين وسبعين سنة من ملكه وهو الّذي بنى مدينة نيسابور وسجستان وبنى الإيوان المشهور لمقعد ملوكهم، وملك لعهده أمرؤ القيس بن عديّ، وأوصى بالملك لأخيه أردشير بن هرمز، وفتك في أشراف فارس وعظمائهم فخلعوه لأربعين سنة من دولته. وملكوا سابور بن ذي الأكتاف فاستبشر الناس برجوع ملك أبيه إليه، وأحسن السيرة ورفق بالرعية وحمل على ذلك العمّال والوزراء والحاشية ولم يزل عادلا، وخضع له عمه أردشير المخلوع، وكانت له حروب مع إياد وفي ذلك يقول شاعرهم:
على رغم سابور بن سابور أصبحت ... قباب إياد حولها الخيل والنعم
وقيل إنّ هذا الشعر إنما قيل في سابور ذي الأكتاف. ثم هلك سابور لخمس سنين من دولته، وملك أخوه بهرام ويلقب كرمان شاه وكان حسن السياسة وملك لإحدى عشرة سنة من دولته رماه بعض الرماة بسهم في القتال فقتله. وملك بعده ابنه يزدجرد الأثيم، وبعض نسّابة الفرس يقول إنّه أخوه ولي ابنه وإنّما هو ابن ذي الأكتاف. وقال هشام بن محمد: كان فظّا غليظا كثير المكر والخديعة يفرغ في ذلك عقله وقوّة معرفته وكان معجبا برأيه سيّئ الخلق كثير الحدّة يستعظم الزلّة الصغيرة ويردّ الشفاعة من أهل بطانته متهما للناس قليل المكافأة. وبالجملة فهو سيّئ الأحوال مذمومها واستوزر، لأول ولايته برسيّ الحكيم ويسمّى فهر برشي ومهر مرسة، وكان متقدّما في الحكمة والفضائل وأمّل أهل المملكة أن تهرب من يزدجرد الأثيم، فلم يكن ذلك واشتدّ أمره على الأشراف بالإهانة وعلى من دونهم بالقتل. وبينما هو جالس في