للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تسمى طمّا [١] لانطباقها على البلاد، وسابور يومئذ صغير حتى إذا بلغ القيام على ملكه شرع في غزوهم ورئيسهم يومئذ الحرث بن الأغرّ الأيادي، وكتب إليهم بالنذر بذلك رجل [٢] من إياد كان بين ظهرانيّ الفرس، فلم يقبلوا حتى واقعتهم العساكر فاستلحمهم وخرجوا إلى أرض الجزيرة والموصل إجلاء ولم يعاودوا العراق. ولمّا كان الفتح طلبهم المسلمون بالجزيرة مع تغلب وغيرهم فأنفوا ولحقوا بأرض الروم.

وقال السهيليّ: عند ذكر سابور بن هرمز إنّه كان يخلع أكتاف العرب ولذلك لقّبه العرب ذو الأكتاف، وأنه أخذ عمرو بن تميم بأرضهم بالبحرين وله يومئذ ثلاثمائة سنة وإنه قال: إنما أقتلكم معاشر العرب لأنكم تزعمون أنّ لكم دولة. فقال له عمرو بن تميم: ليس هذا من الحزم أيها الملك فإن يكن حقا فليس قتلك إياهم بدافعه وتكون قد اتخذت يدا عندهم ينتفع بها ولدك وأعقاب قومك. فيقال إنه استبقاه ورحم كبره.

ثم غزا سابور بلاد الروم وتوغّل فيها ونازل حصونهم، وكان ملوك الروم على عصره قسطنطين وهو أوّل من تنصّر من ملوكهم وهلك قسطنطين وملك بعده إليانوس من أهل بيته وانحرف عن دين النصرانية وقتل الأساقفة وهدم البيع وجمع الروم وانحدر لقتال سابور. واجتمعت العرب معهم لثأرهم عند سابور بمن قتل منهم وسار قائد إليانوس واسمه يوسانوس في مائة وسبعين ألفا من المقاتلة، حتى دخل أرض فارس، وبلغ خبره وكثرة جموعه إلى سابور فأحجم عن اللقاء وأجفل وصحبه العرب، ففضّوا جموعه وهرب في فلّ من عسكره، واحتوى إليانوس على خزائنه وأمواله واستولى على مدينة طبسون من مدائن ملكه. ثم استنفر أهل النواحي واجتمعت إليه فارس وارتجع مدينة طبسون وأقاما متظاهرين، وهلك إليانوس بسهم أصابه، فبقي الروم فوضى وفزعوا إلى يوسانوس القائد أن يملّكوه، فشرط عليهم الرجوع إلى دين النصرانية كما كان قسطنطين فقبلوا. وبعث إليه سابور في القدوم عليه، فسار إليه في ثمانين من أشراف الروم، وتلقّاه سابور وعانقه وبالغ في إكرامه وعقد معه الصلح على


[١] الطمّ: البحر، العدد الكثير (قاموس)
[٢] ربما كان يقصد به لقيطا بن يعمر الأيادي، وكان كاتبا في البلاط الفارسيّ ومن قصيدته المنذرة:
يا ايها الراكب المزجي مطيته ... إلى الجزيرة مرتادا ومنتجعا
لا تلهكم إبل ليست لكم إبل ... إن العدو بعظم منكم قرعا

<<  <  ج: ص:  >  >>