المدائن لست سنين من مغيبه وغلب أخاه جاماسات واستولى على الملك. ثم غزا بلاد الروم وفتح آمد وسبى أهلها وطالت مدّته وابتنى المدن العظيمة منها مدينة أرّجان بين الأهواز وفارس، ثم هلك لثلاث وأربعين سنة من ملكه في الكرة الأولى.
وملك ابنه أنوشروان بن قبّاذ بن فيروز بن يزدجرد، وكان يلي الأصبهبذ وهي الرئاسة على الجنود، ولما ملك فرّق أصبهبذ البلاد على أربعة فجعل: أصبهبذ المشرق بخراسان والمغرب بأذربيجان وبلاد الخزر واستردّ البلاد التي تغلب عليها جيران الأطراف من الملوك مثل السند وبست الرخّج وزابلستان وطخارستان ودهستان.
وأثخن في أمّة البازر وأجلى بقيتهم، ثم أدهنوا واستعان بهم في حروبه. وأثخن في أمّة صول واستلحمهم، وكذلك الجرامقة وبلنجر واللان وكانوا يجاورون أرمينية ويتملأون على غزوها فبعث إليهم العساكر واستلحموهم وأنزل بقيتهم أذربيجان.
وأحكم بناء الحصون التي كان بناها قبّاذ وفيروز بناحية صول واللان لتحصين البلاد، وأكمل بناء الأبواب والسور الّذي بناه جدّه بجبل الفتح، بنوه على الأزماق المنفوخة تغوص في الماء كلما ارتفع البناء إلى أن استقرّت بقعر البحر وشقت بالخناجر فتمكن الحائط من الأرض ثم وصل السور في البر ما بين جبل الفتح والبحر، وفتحت فيه الأبواب ثم وصلوه في شعاب الجبل وبقي فيه إلى أن كمل. قال المسعودي: إنه كان باقيا لعصره. والظنّ أن التتر خرّبوه بعد لمّا استولوا على ممالك الإسلام في المائة السابعة، ومكانه اليوم في مملكة بني ذو شيخان ملوك الشمال منهم. وكان لكسرى أنوشروان في بنائه خبر مع ملوك الخزر.
ثم استفحل ملك الترك زحف خاقان سيحور وقتل ملك الهياطلة واستولى على بلادهم وأطاعه أهل بلنجر وزحف إلى بلاد صول في عشرة آلاف مقاتل، وبعث الى أنوشروان يطلب منه ما أعطاه أهل بلنجر في الفداء، وضبط أنوشروان أرمينية بالعساكر، وامتنعت صول بملكها أنوشروان والناحية الأخرى بسور الأبواب، فرجع خاقان خائبا.
وأخذ أنوشروان في إصلاح السّابلة والأخذ بالعدل وتفقّد أهل المملكة وتخيّر الولاة والعمّال مقتديا بسيرة أردشير بن بابك جدّه. ثم سار إلى بلاد الروم وافتتح حلب وقبرص وحمص وانطاكية ومدينة هرقل ثم الاسكندرية، وضرب الجزية على ملوك القبط، وحمل إليه ملك الروم الفدية، وملك الصين والتبت الهدايا. ثم غزا بلاد