أهل الحجاز وجنوب اليمن ومثل الملثّمين من صنهاجة السّاكنين بصحراء المغرب وأطراف الرّمال فيما بين البربر والسّودان فإنّ هؤلاء يفقدون الحبوب والأدم جملة وإنّما أغذيتهم وأقواتهم الألبان واللّحوم ومثل العرب أيضا الجائلين في القفار فإنّهم وإن كانوا يأخذون الحبوب والأدم من التلول إلّا أنّ ذلك في الأحايين وتحت ربقة من حاميتها وعلى الإقلال لقلّة وجدهم فلا يتوصّلون منه إلى سدّ الخلّة [١] أو دونها فضلا عن الرّغد والخصب وتجدهم يقتصرون في غالب أحوالهم على الألبان وتعوّضهم من الحنطة أحسن معاض وتجد مع ذلك هؤلاء الفاقدين للحبوب والأدم من أهل القفار أحسن حالا في جسومهم وأخلاقهم من أهل التّلول المنغمسين في العيش فألوانهم أصفى وأبدانهم أنقى وأشكالهم أتمّ وأحسن وأخلاقهم أبعد من الانحراف وأذهانهم اثقب في المعارف والإدراكات هذا أمر تشهد له التّجربة في كلّ جيل منهم فكثير ما بين العرب والبربر فيما وصفناه وبين الملثّمين وأهل التّلول يعرف ذلك من خبره والسّبب في ذلك والله أعلم أنّ كثرة الأغذية وكثرة الأخلاط الفاسدة العفنة ورطوباتها تولّد في الجسم فضلات رديئة تنشأ عنها بعد- أفظارها- في غير نسبة ويتبع ذلك انكساف الألوان وقبح الأشكال من كثرة اللّحم كما قلناه وتغطّي الرّطوبات على الأذهان والأفكار بما يصعد إلى الدّماغ من أبخرتها الرّديّة فتجيء البلادة والغفلة والانحراف عن الاعتدال بالجملة واعتبر ذلك في حيوان القفر ومواطن الجدب من الغزال والنّعام والمها والزّرافة والحمر الوحشيّة والبقر مع أمثالها من حيوان التّلول والأرياف والمراعي الخصبة كيف تجد بينها بونا بعيدا في صفاء أديمها وحسن رونقها وأشكالها وتناسب أعضائها وحدّة مداركها فالغزال أخو المعز والزّرافة أخو البعير والحمار والبقر أخو الحمار والبقر والبون بينها ما رأيت وما ذاك إلّا لأجل أنّ الخصب في التّلول فعل في أبدان هذه من الفضلات الرّديّة والأخلاط الفاسدة ما ظهر عليها