أثره والجوع لحيوان القفر حسن في خلقها وأشكالها ما شاء واعتبر ذلك في الآدميّين أيضا فإنّا نجد أهل الأقاليم المخصبة العيش الكثيرة الزّرع والضّرع والأدم والفواكه يتّصف أهلها غالبا بالبلادة في أذهانهم والخشونة في أجسامهم وهذا شان البربر المنغمسين في الأدم والحنطة مع المتقشّفين في عيشهم المقتصرين على الشّعير أو الذرة مثل المصامدة منهم وأهل غمارة والسوس فتجد هؤلاء أحسن حالا في عقولهم وجسومهم وكذا أهل بلاد المغرب على الجملة المنغمسين في الأدم والبرّ مع أهل الأندلس المفقود بأرضهم السّمن حملة وغالب عيشهم الذّرة فتجد لأهل الأندلس من ذكاء العقول وخفّة الأجسام وقبول التّعليم ما لا يوجد لغيرهم وكذا أهل الضّواحي من المغرب بالجملة مع أهل الحضر والأمصار فإنّ الأمصار وإن كانوا مكثرين مثلهم من الأدم ومخصبين في العيش إلّا أنّ استعمالهم إيّاها بعد العلاج بالطّبخ والتّلطيف بما يخلطون معها فيذهب لذلك غلظها ويرقّ قوامها وعامّة مآكلهم لحوم الضّأن والدّجاج ولا يغبطون [١] السّمن من بين الأدم لتفاهته فتقلّ الرّطوبات لذلك في أغذيتهم ويخفّ ما تؤدّيه إلى أجسامهم من الفضلات الرّديّة فلذلك تجد جسوم أهل الأمصار ألطف من جسوم البادية المخشّنين في العيش وكذلك تجد المعوّدين بالجوع من أهل البادية لا فضلات في جسومهم غليظة ولا لطيفة. واعلم أنّ أثر هذا الخصب في البدن وأحواله يظهر حتّى في حال الدّين والعبادة فنجد المتقشّفين من أهل البادية أو الحاضرة ممّن يأخذ نفسه بالجوع والتّجافي عن الملاذّ أحسن دينا وإقبالا على العبادة من أهل التّرف والخصب بل نجد أهل الدّين قليلين في المدن والأمصار لما يعمّها من القساوة والغفلة المتّصلة بالإكثار من اللّحمان والأدم ولباب البرّ ويختصّ وجود العبّاد والزّهّاد لذلك بالمتقشّفين في غذائهم من أهل البوادي وكذلك نجد هؤلاء المخصبين في العيش المنغمسين في طيّباته من أهل البادية ومن أهل الحواضر
[١] لا يكثرون من استعمال السمن ولا يلتزمونه في أدمهم.