إلى أبي سفيان بن حرب، فقال لهم: إنّي سائله عن شأن هذا الرجل فاستمعوا ما يقوله. ثم سأل أبا سفيان عن أحوال تجب أن تكون للنبيّ صلى الله عليه وسلم أو ينزه عنها، وكان هرقل عارفا بذلك، فأجابه أبو سفيان عن جميع ما سأله من ذلك.
فرأى هرقل أنه نبي لا محالة مع أنه كان حزّاء ينظر في علم النجوم، وكان عنده علم من القرآن الكائن قبل الملّة بظهور الملة والعرب، فاستيقن بنبوّته وصحة ما يدعو إليه حسبما ذكره البخاري في صحيحه.
وكتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى الحرث بن أبي شمّر الغسّانيّ ملك غسّان بالبلقاء من أرض الشام وعامل قيصر على العرب مع شجاع بن وهب الأسديّ يدعوه إلى الإسلام، قال شجاع: فأتيته وهو بغوطة دمشق يهيئ النزل لقيصر حين جاء من حمص إلى إيلياء، فشغل عني إلى أن دعاني ذات يوم وقرأ كتابي وقال: من ينتزع مني ملكي أنا سائر إليه ولو كان باليمن. ثم أمر بالخيول تنعل، وكتب بالخبر إلى قيصر، فنهاه عن المسير ثم أمرني بالانصراف وزوّدني بمائة دينار.
ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في الثامنة من الهجرة جيشه الى الشام وهي غزوة مؤتة كان المسلمون فيها ثلاثة آلاف وأمّر عليهم زيد بن حارثة وقال: إن أصيب فجعفر فعبد الله من رواحة. فانتهوا إلى معان من أرض الشام، ونزل هرقل صاب من أرض البلقاء في مائة ألف من الروم. وانضمت إليه جموع جذام والغيد وبهرام وبلى، وعلى بلى مالك بن زافلة، ثم زحف المسلمون إلى البلقاء ولقيتهم جموع هرقل من الروم والعرب على مؤتة فكان التمحيص والشهادة، واستشهد زيد ثم جعفر ثم عبد الله، وانصرف خالد بن الوليد بالناس فقدموا المدينة. ووجد النبيّ صلى الله عليه وسلم على من قتل من المسلمين ولا كوجده على جعفر بن أبي طالب لأنه كان تلاده.
ثم أمر بالناس في السنة التاسعة بعد الفتح وحنين والطائف أن يتهيؤا لغزو الروم فكانت غزوة تبوك، فبلغ تبوك وأتاه صاحب أيلة وجرباء وأذرح وأعطوا الجزية وصاحب أيلة يومئذ يوحنّا بن رؤبة بن نفاثة أحد بطون جذام وأهدى له بغلة بيضاء، وبعث خالد بن الوليد إلى دومة الجندل وكان بها أكيدر بن عبد الملك فأصابوه بضواحيها في ليلة مقمرة فأسروه وقتلوا أخاه وجاءوا به إلي النبي صلى الله عليه وسلم فحقن دمه وصالحه على الجزية وردّه الى قريته. وأقام بتبوك بعض عشرة ليلة وقفل إلى المدينة وبلغ خبر يوحنّا إلى هرقل فأمر بقتله وصلبه عند قريته أهـ من غير ابن العميد.