مسجدا فقال: على الصخرة التي كلم الله عليها يعقوب، ووجد عليها دما كثيرا فشرع في إزالته وتناوله بيده يرفعه في ثوبه، واقتدى به المسلمون كافة فزال لحينه، وأمر ببناء المسجد. ثم بعث عمرو بن العاص إلى مصر فحاصرها وأمدّه بالزبير بن العوام في أربعة آلاف من المسلمين فصالحهم المقوقس [١] على الجزية، ثم سار إلى الاسكندرية فحاصرها وافتتحها.
وفي السابعة عشر من الهجرة جاء ملك الروم إلى حمص في جموع النصرانية وبها أبو عبيدة فهزمهم واستلحمهم، ورجع هرقل إلى أنطاكية، وقد استكمل المسلمون فتح فلسطين وطبرية والساحل كله. واستنفر العرب المتنصّرة من غسّان ولخم وجذام وقدم عليهم ماهاب البطريق وبعثه للقاء العرب، وكتب إلى عامله على دمشق منصور بن سرحون أن يمدّه بالأموال، وكان يحقد عليه نكبته من قبل، واستصفى ماله حين أفرج الفرج عن حصاره بالقسطنطينية لأول ولايته، فاعتذر العامل للبطريق عن المال وهوّن عليه أمر العرب. فسار من دمشق للقائهم ونازلهم بجابية الخولان، ثم اتبعه العامل ببعض مال جهزه للعساكر، وجاء العسكر ليلا وأوقد المشاعل وضرب الطبول ونفخ البوقان، فظنهم الروم عسكر العرب جاءوا من خلفهم وأنهم أحيط بهم، فأجفلوا وتساقطوا في الوادي وذهبوا طوائف إلى دمشق وغيرها من ممالك الروم، ولحق ماهاب بطور سيناء وترهّب إلى أن هلك. واتبع المسلمون الفل مع منصور إلى دمشق وحاصروها ستة أشهر فرّقوا على أبوابها. ثم طلب منصور العامل الأمان للروم من خالد فأمّنه، ودخل المدينة من الباب الشرقي، وتسامع الروم الذين بسائر الأبواب فهربوا وتركوها، ودخل منها الأمراء الآخرون عنوة ومنصور ينادي بأمان خالد، فاختلف المسلمون قليلا ثم اتفقوا على أمان الروم الذين كانوا بالإسكندرية بعد ان افتتحها عمرو بن العاص ركبوا إليه البحر ووافوه بها.
ثم هلك هرقل لإحدى وعشرين من الهجرة ولإحدى وثلاثين من ملكه، فملك على الروم بقسطنطينية قسطنطين وقتله بعض نساء أبيه لستة أشهر من ملكه، وملك أخوه هرقل بن هرقل، ثم تشاءم به الروم فخلعوه وقتلوه وملّكوا عليهم قسنطينوس بن قسطنطين، فملك ست عشرة سنة ومات لسابعة وثلاثين من الهجرة. وفي أيامه غزا
[١] وهو قيرس وزير هرقل وبطريرك الاسكندرية ومتولي شئون مصر لما فتحها عمرو بن العاص سنة ٦٣٩ م.