للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مينا القسطنطينية سنة أربع وأربعين وخمسمائة ورمى قصر الملك بالسهام، فكانت تلك أنكى على الروم من كل ناحية.

ثم كان استيلاء الإفرنج على القسطنطينية آخر المائة السادسة وكان من خبرها أنّ ملك الروم بالقسطنطينية أصهر إلى الفرنسيس عظيم ملوك الافرنج في أخته فزوّجها له الفرنسيس وكان له منها ابن ذكر، ثم وثب بملك الروم أخوه فسمله وملك القسطنطينية مكانه. ولحق الابن بخاله الفرنسيس صريخا [١] به على عمه فوجده قد جهز الأساطيل الارتجاع بيت المقدس، واجتمع فيها ثلاثة من ملوك الافرنجة بعساكرهم دوقس البنادقة صاحب المراكب البحرية وفي مراكبه كان ركوبهم، وكان شيخا أعمى نقّادا ذا ركب والمركس [٢] مقدّم الفرنسيس وكيدفليد وهو أكبرهم، فأمر الفرنسيس بالجواز على القسطنطينة ليصلحوا بين ابن أخته وبين عمّه ملك الروم، فلمّا وصلوا إلى مرسى القسطنطينية، خرج عمّه وحار بهم فهزموه ودخلوا البلد وهرب الى أطراف البلد وقتل حاضروه وأضرموا النار في البلد، فاشتغل الناس بها وأدخل الصبي بشيعته، فدخل الافرنج معه وملكوا البلد وأجلسوا الصبي في ملكه وساء أثرهم في البلد، وصادروا أهل النعم وأخذوا أموال الكنائس، وثقلت ووطأتهم على الروم فعقلوا الصبي وأخرجوهم واستدعوا ملكهم عمّ الصبيّ من مكان مقرّه وملّكوه عليهم.

وحاصرهم الإفرنج فاستنجد بسليمان بن قليج أرسلان صاحب قونية وبلاد الروم شرقي الخليج، وكان في البلد خلق من الإفرنج، فقبل أن يصل سليمان ثاروا فيها وأضرموا النيران حتى شغل بها الناس، وفتحوا الأبواب فدخل الإفرنج واستباحوها ثمانية أيام حتى أقفرت، واعتصم الروم بالكنيسة العظمى منها وهي مموقيا [٣] . ثم خرجت جماعة القسيسين والأساقفة والرهبان، وفي أيديهم الإنجيل والصلبان فقتلوهم أجمعين، ولم يراعوا لهم ذمّة ولا عهدا، ثم خلعوا الصبي واقترعوا ثلاثتهم على الملك فخرجت القرعة على كيدفليد كبيرهم فملّكوه على القسطنطينية وما يجاورها، وجعلوا لدوقس البنادقة الجزائر البحرية مثل أقريطش ورودس وغيرهما، وللمركيس مقدم


[١] أي مستغيثا.
[٢] الدوقس وهو الدوق والمركس هو المركيز.
[٣] هي كنيسة أياصوفيا أهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>