للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجارية وأذن له أن يخرجه من محبسه فوجده قد مات منذ ليال، فجاء الى النعمان مثربا [١] فقال: والله لقد تركته حيّا. فقال: وكيف تدخل إليه وأنت رسول إليّ؟

فطرده فرجع إلى كسرى وأخبره بموته وطوى عنه ما كان من دخوله إليه.

ثم ندم النعمان على قتله، ولقي يوما وهو يتصيد ابنه زيدا فاعتذر إليه من أمر أبيه، وجهّزه إلى كسرى ليكون خليفة أبيه على ترجمة العرب. فأعجب به كسرى وقرّبه وكان أثيرا عنده، ثم إنّ كسرى أراد خطبة بنات العرب فأشار عليه عديّ بالخطبة في بني منذر فقال له كسرى: اذهب إليهم في ذلك، فقال: إنّهم لا ينكحون العجم ويستريبون في ذلك فابعث معي من يفقه العربية فلعلي آتيك بغرضك. فلما جاء إلى النعمان قال لزيد: أما في عير السواد وفارس ما يغنيكم عن بناتنا؟ وسأل الرسول عن العير فقال له زيد: هي البقر. ثم رجعا إلى كسرى بالخيبة، وأغراه زيد فغضب كسرى وحقد على النعمان. ثم استقدمه بعد حين لبعض حاجاته وقال له: لا بدّ من المشافهة لأنّ الكتاب لا يسعها. ففطن فذهب إلى طيِّئ وغيرهم من قبائل العرب ليمنعوه، فأبوا وفرقوا من معاداة كسرى، إلّا بني رواحة بن سعد من بني عبس، فإنّهم أجابوه لو كانوا يغنون عنه فعذرهم، وانصرف عنهم إلى بني شيبان بذي قار والرئاسة فيهم لهانئ بن مسعود بن عامر بن الخطيب بن عمرو المزدلف ابن أبي ربيعة بن ذهل بن شيبان، ولقيس بن خالد بن ذي الخدّين. وعلم أن هانئا يمنعه وكان كسرى قد أقطعه، فرجّع إليه النعمان ماله ونعمه وحلقته وهي سلاح ألف فارس شاكة، وسار إلى كسرى، فلقيه زيد بن عدي بساباط وتبين الغدر، فلمّا بلغ إلى كسرى قيّده وأودعه السجن إلى أن هلك فيه بالطاعون ودعا ذلك إلى واقعة ذي قار بين العرب وفارس.

وذلك أنّ كسرى لما قتل النعمان استعمل إياس بن قبيصة الطائي على الحيرة مكان النعمان ليده التي أسلفها طيِّئ عند كسرى يوم واقعة بهرام على أبرويز، وطلب من النعمان فرسه ينجو عليها فأبى واعترضه حسّان بن حنظلة بن جنّة الطائي وهو ابن عم إياس بن قبيصة فأركبه فرسه ونجا عليه، ومرّ في طريقه بإياس فأهدى له فرسا وجزورا، فرعى له أبرويز هذه الوسائل وقدّم إياسا مكان النعمان. وهو إياس بن قبيصة بن أبي عفر بن النعمان بن جنّة. فلمّا هلك النعمان بعث إياس إلى هانئ بن


[١] ثربه ثربا: لامه، قبح عليه فعله (قاموس) .

<<  <  ج: ص:  >  >>