وصبحهم الإسلام وقد سئموا الحرب وكرهوا الفتنة، فأجمعوا على أن يتوّجوا عبد الله ابن أبي بن سلول. ثم اجتمع أهل العقبة منهم بالنبيّ صلى الله عليه وسلم بمكة ودعاهم إلى نصرة الإسلام، فجاءوا إلى قومهم بالخبر كما نذكر وأجابوا واجتمعوا على نصرته، ورئيس الخزرج سعد بن عبادة والأوس سعد بن معاذ. قالت عائشة:
كان يوم بعاث يوما قدّمه الله لرسوله، ولما بلغهم خبر مبعث النبي صلى الله عليه وسلم بمكّة وما جاء به من الدين وكيف أعرض قومه عنه وكذّبوه وآذوه وكان بينهم وبين قريش إخاء قديم وصهر، فبعث أبو قيس بن الأسلت من بني مرّة بن مالك بن الأوس ثم من بني وائل منهم واسمه صيفي بن عامر بن شحم بن وائل وكان يحبهم لمكان صهره فيهم، فكتب إليهم قصيدة يعظّم لهم فيها الحرمة ويذكر فضلهم وحلمهم وينهاهم عن الحرب، ويأمرهم بالكفّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويذكّرهم بما رفع الله عنهم من أمر الفيل وأوّلها:
تناهز خمسا وثلاثين بيتا ذكرها ابن إسحاق في كتاب السير، فكان ذلك أوّل ما ألقح بينهم من الخير والإيمان.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما يئس من إسلام قومه يعرض نفسه على وفود العرب وحجاجهم أيّام الموسم أن يقوموا بدين الإسلام وبنصره حتى يبلغ ما جاء به من عند الله وقريش يصدّونهم عنه ويرمونه بالجنون والشعر والسحر كما نطق به القرآن، وبينما هو في بعض المواسم عند العقبة لقي رهطا من الخزرج ست نفر اثنان من بني غانم بن مالك وهما: أسعد بن زرارة بن عديّ بن عبيد الله بن ثعلبة بن غانم ابن عوف بن الحرث بن رفاعة بن سواد بن مالك بن غانم وهو ابن عفراء، ومن بني زريق بن عامر: رافع بن مالك بن العجلان بن عمرو بن عامر بن زريق، ومن بني غانم بن كعب بن سلمة بن سعد بن عبد الله بن عمرو بن الحرث بن ثعلبة بن الحرث ابن حرام بن كعب بن غانم كعب بن رئاب بن غانم وقطبة بن عامر بن حديدة بن عمرو بن غانم بن سواد بن غانم وعقبة بن عامر بن نابي بن زيد بن حرام بن كعب ابن غانم. فلما لقيهم قال لهم: من أنتم؟ قالوا: نفر من الخزرج! قال: أمن موالي يهود؟ قالوا: نعم! فقال: ألا تجلسون أكلمكم؟ فجلسوا معه فدعاهم إلى الله وعرض عليهم الإسلام وتلا عليهم القرآن، فقال بعضهم لبعض: تعلموا والله إنه