زيادة على ذلك كانوا يردفونه به فحاز شرفهم كله، وكانت الحجابة والسقاية والرفادة والندوة واللواء له. ولما أسنّ قصيّ وكان بكرة عبد الدار وكان ضعيفا، وكان أخوه عبد مناف شرف عليه في حياة أبيه، فأوصى قصيّ لعبد الدار بما كان له من الحجابة واللواء والندوة والرفادة والسقاية يجبر له بذلك ما نقصه من شرف عبد مناف، وكان أمره في قومه كالدين المتّبع لا يعدل عنه. ثم هلك وقام بأمره في قومه بنوه من بعده.
وأقاموا على ذلك مدّة وسلطان مكّة لهم وأمر قريش جميعا، ثم نفس بنو عبد مناف على بني عبد الدار ما بأيديهم ونازعوهم، فافترق أمر قريش وصاروا في مظاهرة بني قصيّ بعضهم على بعض فرقتين. وكان بطون قريش قد اجتمعت لعهدها ذلك اثني عشر بطنا: بنو الحرث بن فهر، وبنو محارب بن فهر، وبنو عامر بن لؤيّ، وبنو عديّ بن كعب، وبنو سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب، وبنو جمح بن عمرو بن هصيص، وبنو تيم بن مرّة، وبنو مخزوم بن يقظة بن مرّة، وبنو زهرة بن كلاب، وبنو أسد بن عبد العزّى بن قصيّ، وبنو عبد الدار، وبنو عبد مناف بن قصيّ.
فأجمع بنو عبد مناف انتزاع ما بأيدي بني عبد الدار مما جعل لهم قصيّ، وقام بأمرهم عبد شمس أسنّ ولده واجتمع له من قريش: بنو أسد بن عبد العزّى، وبنو زهرة، وبنو تيم، وبنو الحرث. واعتزل بن عامر، وبنو المحارب الفريقين. وصار الباقي من بطون قريش مع بني عبد الدار وهم: بنو سهم، وبنو جمح، وبنو عديّ، وبنو مخزوم. ثم عقد كل من الفريقين على أحلافه عقدا مؤكدا، وأحشر بنو عبد مناف وحلف قومهم عند الكعبة جفنة مملوءة طيبا غمسوا فيها أيديهم تأكيدا للحلف، فسمّي «حلف المطيّبين» . وأجمعوا للحرب وسوّوا بين القبائل وأنّ بعضها إلى بعض، فعبت بنو عبد الدار لبني أسد، وبنو جمح لبني زهرة، وبنو مخزوم لبني تيم، وبنو عديّ لبني الحرث. ثم تداعوا للصلح على أن يسلموا لبني عبد مناف السقاية والرفادة، ويختص بنو عبد الدار بالحجابة واللواء فرضي الفريقان وتحاجز الناس.
وقال الطبريّ قيل ورثها من أبيه. ثم قام بأمر بني عبد مناف هاشم ليساره وقراره بمكّة، وتقلب أخيه عبد شمس في التجارة إلى الشام، فأحسن هاشم ما شاء في إطعام الحاج وإكرام وفدهم. ويقال: إنه أوّل من أطعم الثريد الّذي كان يطعم فهو