ثريد قريش الّذي قال فيه النبيّ صلى الله عليه وسلم: فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام. والثريد لهذا العهد ثريد الخبز بعد أن يطبخ في المقلاة والتنور وليس من طعام العرب، إلا أن عندهم طعاما يسمونه البازين يتناوله الثريد لغة، وهو ثريد الخبز بعد أن يطبخ في الماء عجينا رطبا إلى أن يتم نضجه، ثم يدلكونه بالمغرفة حتى تتلاحم أجزاؤه وتتلازج. وما أدري هل كان ذلك الطعام كذلك أو لا إلا أنّ لفظ الثريد يتناوله لغة.
ويقال: إن هاشم بن عبد المطلب أوّل من سنّ الرحلتين في الشتاء والصيف للعرب ذكره ابن إسحاق، وهو غير صحيح، لأنّ الرحلتين من عوائد العرب في كل جيل لمراعي إبلهم ومصالحها لأنّ معاشهم فيها، وهذا معنى العرب وحقيقتهم أنه الجيل الّذي معاشهم في كسب الإبل والقيام عليها في ارتياد المرعى وانتجاع المياه والنتاج والتوليد وغير ذلك من مصالحها، والفرار بها من أذى البرد عند التوليد الى القفار ودفئها، وطلب التلول في المصيف للحبوب وبرد الهواء، وتكوّنت على ذلك طباعهم فلا بد لهم منها ظعنوا أو أقاموا وهو معنى العروبية، وشعارها أنّ هاشما لما هلك وكان مهلكه بغزّة من أرض الشام، تخلف عبد المطلب صغيرا بيثرب فأقام بأمره من بعده ابنه المطّلب، وكان ذا شرف وفضل، وكانت قريش تسمّيه الفضل لسماحته، وكان هاشم قدم يثرب فتزوّج في بني عديّ وكانت قبله عند أحيحة بن الجلّاح بن الحريش بن جحجبا بن كلفة بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك سيد الأوس لعهده، فولدت عمرو بن أحيحة، وكانت لشرفها تشترط أمرها بيدها في عقد النكاح، فولدت عبد المطّلب فسمته شيبة، وتركه هاشم عندها حتى كان غلاما.
وهلك هاشم فخرج إليه أخوه المطّلب فأسلمته إليه بعد تعسّف واغتباط به، فاحتمله ودخل مكة فرفده على بعيره فقالت قريش: هذا عبد ابتاعه المطّلب، فسمي شيبة عبد المطلب من يومئذ.
ثم أنّ المطّلب هلك بردمان من اليمن، فقام بأمر بني هاشم بعده عبد المطلب بن هاشم، وأقام الرفادة والسقاية للحاج على أحسن ما كان قومه يقيمونه بمكّة من قبله، وكانت له وفادة على ملوك اليمن من حمير والحبشة، وقد قدّمناه خبره مع ابن ذي يزن ومع أبرهة. ولمّا أراد حفر زمزم للرؤيا التي رآها، اعترضته قريش دون ذلك، ثم حالوا بينه وبين ما أراد منها، فنذر لئن ولد له عشرة من الولد ثم يبلغوا معه