حتى يمنعوه لينحرنّ أحدهم قربانا للَّه عند الكعبة، فلما كملوا عشرة ضرب عليهم القداح عند هبل الصنم العظيم الّذي كان في جوف الكعبة على البئر التي كانوا ينحرون فيها هدايا الكعبة، فخرجت القداح على ابنه عبد الله والد النبيّ صلى الله عليه وسلم، وتحيّر في شأنه، ومنعه قومه من ذلك، وأشار بعضهم وهو المغيرة بن عبد الله بن مخزوم بسؤال العرّافة التي كانت لهم بالمدينة على ذلك، فألفوها بخيبر وسألوها.
فقالت: قرّبوه وعشرا من الإبل وأجيلوا القداح فإن خرجت على الإبل فذلك وإلّا فزيدوا في الإبل حتى تخرج عليها القداح وانحروها حينئذ فهي الفدية عنه وقد رضي إلهكم. ففعلوا وبلغت الإبل مائة فنحرها عبد المطلب، وكانت من كرامات الله به.
وعليه قوله صلى الله عليه وسلم «أنا ابن الذبيحين» يعني عبد الله أباه وإسماعيل بن إبراهيم جدّه اللذين قرّبا للذبح، ثم فديا بذبح الأنعام.
ثم إنّ عبد المطلب زوّج ابنه عبد الله بآمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة فدخل بها وحملت برسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعثه عبد المطلب يمتار لهم تمرا فمات هنالك، فلما أبطأ عليهم خبره بعث في أثره. وقال الطبريّ: عن الواقدي:
الصحيح أنه أقبل من الشام في حي لقريش، فنزل بالمدينة ومرض بها ومات. ثم أقام عبد المطلب في رياسة قريش بمكّة والكون يصغي لملك العرب والعالم يتمخّض بفصال النبوة، إلى أن وضح نور الله من أفقهم، وسرى خبر السماء إلى بيوتهم، واختلفت الملائكة إلى أحيائهم، وخرجت الخلافة في أنصبائهم، وصارت العزّة لمضر ولسائر العرب بهم، وذلِكَ فَضْلُ الله يُؤْتِيهِ من يَشاءُ ٥: ٥٤. وعاش عبد المطلب مائة وأربعين سنة وهو الّذي احتفر زمزم.
قال السهيليّ: ولما حفر عبد المطلب زمزم استخرج منه تمثالي غزالين من ذهب وأسيافا كذلك، كان ساسان ملك الفرس أهداها إلى الكعبة، وقيل سابور. ودفنها الحرث بن مضاض في زمزم لما خرج بجرهم من مكّة، فاستخرجها عبد المطلب، وضرب الغزالين حلية للكعبة فهو أوّل من ذهّب حلية الكعبة بها، وضرب من تلك الأسياف باب حديد وجعله للكعبة. ويقال: إنّ أوّل من كسى الكعبة واتخذ لها غلقا تبّع إلى أن جعل لها عبد المطلب هذا الباب. ثم اتخذ عبد المطلب حوضا لزمزم يسقي منه، وحسده قومه على ذلك وكانوا يخرّبونه بالليل، فلما غمّه ذلك رأى في النوم قائلا يقول:«قل لا أحلها لمغتسل وهي لشارب حلّ وبلّ فإذا قلتها فقد كفيتهم»