فإذا أعطي تقسيم الوجود إلى هنا صنفا آخر من البشر مفطورا على أن تتحرّك قوّته العقليّة حركتها الفكريّة بالإرادة عند ما يبعثها النّزوع لذلك وهي ناقصة عنه بالجبلة عند ما يعوّقها العجز عن ذلك تشبّث بأمور جزئيّة محسوسة أو متخيّلة كالأجسام الشّفّافة وعظام الحيوانات وسجع الكلام وما سنح من طير أو حيوان فيستديم ذلك الإحساس أو التّخيّل مستعينا به في ذلك الانسلاخ الّذي يقصده ويكون كالمشيّع له وهذه القوّة الّتي فيهم مبدأ لذلك الإدراك هي الكهانة ولكون هذه النّفوس مفطورة على النّقص والقصور عن الكمال كان إدراكها في الجزئيّات أكثر من الكلّيّات ولذلك تكون المخيّلة فيهم في غاية القوّة لأنّها آلة الجزئيّات فتنفذ فيها نفوذا تامّا في نوم أو يقظة وتكون عندها حاضرة عتيدة تحضرها المخيّلة وتكون لها كالمرآة تنظر فيها دائما ولا يقوى الكاهن على الكمال في إدراك المعقولات لأنّ وحيه من وحي الشّيطان وأرفع أحوال هذا الصّنف أن يستعين بالكلام الّذي فيه السّجع والموازنة ليشتغل به عن الحواسّ ويقوى بعض الشّيء على ذلك الاتّصال النّاقص فيهجس في قلبه عن تلك الحركة والّذي يشيّعها من ذلك الأجنبيّ ما يقذفه على لسانه فربّما صدق ووافق الحقّ وربّما كذب لأنّه يتمّم نقصه بأمر أجنبيّ عن ذاته المدركة ومباين لها غير ملائم فيعرض له الصّدق والكذب جميعا ولا يكون موثوقا به وربّما يفزع إلى الظّنون والتّخمينات حرصا على الظّفر بالإدراك بزعمه وتمويها على السّائلين وأصحاب هذا السّجع هم المخصوصون باسم الكهّان لأنّهم أرفع سائر أصنافهم وقد قال صلّى الله عليه وسلّم في مثله «هذا من سجع الكهّان» فجعل السّجع مختصّا بهم بمقتضى الإضافة وقد قال لابن صيّاد حين سأله كاشفا عن حاله بالأخبار كيف يأتيك هذا الأمر؟ قال:«يأتيني صادقا وكاذبا» فقال: «خلط عليك الأمر» يعني أنّ النّبوة خاصّتها الصّدق فلا يعتريها الكذب بحال لأنّها اتّصال من ذات النّبيّ بالملإ الأعلى من غير مشيّع ولا استعانة بأجنبيّ والكهانة لما احتاج صاحبها بسبب عجزه إلى