للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأحرز لسانك ولا تفش سرّك فإن صاحب السر ما ضبّط متحصن لا يؤتي من وجه يكرهه وإذا ضيّعه كان بمضيعة» .

ولما رجع الجالنوس إلى رستم بعث بهمن حادويه ذا الحاجب إلى الحيرة فأقبل ومعه درفش كابيان راية كسرى عرض ثمانية أذرع في طول اثني عشر من جلود النمر فنزل في الناطف على الفرات، وأقبل أبو عبيد فنزل عدوته وقعد إلى أن نصبوا للفريقين جسرا على الفرات، وخيّرهم بهمن حادويه في عبوره أو عبورهم، فاختار أبو عبيد العبور وأجاز إليهم. وماجت الأرض بالمقاتلة ونفرت خيول المسلمين وكراديسهم من الفيلة، وأمر بالتخفيف عن الخيل فترجل أبو عبيد والناس وصافحوا العدوّ بالسيوف، ودافعتهم الفيلة فقطعوا وضنها [١] فسقطت رحالها وقتل من كان عليها، وقابل أبو عبيد فيلا منهم فوطئه بيده وقام عليه فأهلكه. وقاتلهم الناس ثم انهزموا عن المثنى وسبقه بعض المسلمين إلى الجسر [٢] فقطعه، وقال: موتوا أو تظفروا. وتواثب بعضهم الفرات فغرقوا وأقام المثنى وناس معه مثل عروة بن زيد الخيل وأبي محجن الثقفي وأنظارهم، وقاتل أبو زيد الطائي كان نصرانيا قدم الحيرة لبعض أمره فحضر مع المثنى وقاتل حينئذ حميّة، ونادى المثنى الذين عبروا من المسلمين فعقدوا الجسر وأجاز بالناس، وكان آخر من قتل عند الجسر سليط بن قيس فانفضّ أصحابه إلى المدينة وبقي المثنّى في فلّه جريحا.

وبلغ الخبر إلى عمر فشق [٣] عليه وعذر المنهزمين، وهلك من المسلمين يومئذ أربعة آلاف قتلى وغرقى وهرب ألفان وبقين ثلاثة آلاف. وبينما بهمن حادويه يروم العبور خلف المسلمين أتاه الخبر بأنّ الفرس ثاروا برستم مع الفيرزان فرجع إلى المدائن، وكانت الوقعة في مدائن سنة ثلاث عشرة. ولما رجع بهمن حادويه أتبعه جابان ومعه مردان شاه [٤] ، وخرج المثنى في أثرهما فلما أشرف عليهما أتياه يظنان أنه هارب فأخذهما أسيرين، وخرج أهل الليس على أصحابهما فأتوا بهم أسرى وعقدوا معه مهادنة وقتل جميع الأسرى.


[١] ج وضين، الوضين للهودج بمنزلة الحزام للسرج (قاموس)
[٢] وفي النسخة الباريسية: الى الحصن.
[٣] وفي النسخة الباريسية: اشتد عليه.
[٤] وفي نسخة اخرى: مردان شاه

<<  <  ج: ص:  >  >>