للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمر فارس بل من شأن فارس وسلطانهم وصغر أمر العرب وقال: كانت عيشتكم سيئة وكنتم تقصدونا في الجدب فنردّكم بشيء من التمر والشعير ولم يحملكم على ما صنعتم إلى ما بكم من الجهد ونحن نعطي أميركم كسوة وبغلا وألف درهم وكل رجل منكم حمل تمر وتنصرفون فلست أشتهي قتلكم. فتكلم المغيرة وخطب فقال: أما الّذي وصفتنا به من سوء الحال والضيق والاختلاف فنعرفه ولا ننكره والدنيا دول والشدة بعدها الرخاء ولو شكرتم ما آتاكم الله لكان شكركم قليلا عما أوتيتم وقد أسلمكم ضعف [١] الشكر إلى تغير الحال وأن الله بعث فينا رسولا، ثم ذكر مثل ما تقدّم إلى التخيير بين الإسلام أو الجزية أو القتال، ثم قال، وإن عيالنا ذاقوا طعام بلادكم فقالوا لا صبر لنا عنه. فقال رستم: إذا تموتون دونها، فقال المغيرة: يدخل من قتل منا الجنة ويظفر من بقي منا بكم. فاستشاط غضبا وحلف أن لا يقع الصلح أبدا حتى أقتلكم أجمعين. وانصرف المغيرة وخلا رستم بأهل فارس وعرض عليهم مصالحة القوم، وحذّرهم عاقبة حربهم، فلجّوا. وبعث إليه سعد يعرض عليه الإسلام ويرغب، فأجابه بمثل ما كان يقول لأولئك من الامتنان على العرب والتعريض بالمطامع، فلم يتفق شيء من رأيهم. فقال رستم: تعبرون إلينا أم نعبر إليكم؟ فقالوا: بل اعبروا وأرسل إليهم سعد بذلك وأرادوا القنطرة، فقال سعد:

لا ولا كرامة لا نردّ عليكم شيئا غلبناكم عليه فأبى. فأتوا [٢] يسكرون العتيق بالتراب والقصب والبرادع حتى جعلوا جسرا.

ثم عبر رستم ونصب له سريره وجلس عليه وضرب طيارة وعبر عسكره، وجعل الفيلة في القلب والمجنبتين عليها الصناديق والرجال والرايات أمثال الحصون، وجعل الجالنوس بينه وبين الميمنة والفيرزان بينه وبين الميسرة، ورتب يزدجرد الرجال بين المدائن والقادسية وما بينه وبين رستم رجلا على كل دعوة تنتقل إليه ينبئهم أخبار رستم في أسرع وقت. ثم أخذ المسلمون مصافهم واختط سعد قصره، وكان به عرق النساء وأصابته معه دماميل لا يستطيع معها الجلوس فصعد على سطح القصر راكبا على وسادة في صدره وأشرف على الناس، وعاب ذلك عليه بعض الناس فنزل واعتذر إليهم وأراهم القروح في جسده فعذروه، واستخلف خالد بن عرفطة على الناس


[١] وفي نسخة ثانية: وقد اسلمكم الله بضعف الشكر.
[٢] وفي نسخة ثانية: فباتوا.

<<  <  ج: ص:  >  >>