للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم دنا من رستم وجلس على الأرض وركز رمحه على البساط وقال: إنّا لا نقعد على زينتكم. فقال له الترجمان: ما جاء بكم، فقال: الله بعثنا لنخرج عباده من ضيق الدنيا إلى سعتها ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام وأرسلنا بدينه الى خلقه فمن قبله قبلنا منه وتركناه وأرضه ومن أبى قاتلناه حتى نفىء إلى الجنّة أو الظفر. فقال رستم:

هل لكم أن تؤخر هذا الأمر حتى ننظر فيه؟ قال: نعم كم أحب إليك يوما أو يومين، قال: لا بل حتى نكاتب أهل رأينا ورؤساء قومنا. فقال: إنّ مما سنّ لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا نمكّن الأعداء أكثر من ثلاث فانظر في أمرك وأمرهم واختر إمّا الإسلام وندعك وأرضك أو الجزية فنقبل ونكف عنك وإن احتجت إلينا نصرناك أو المنابذة في الرابع أن تنبذ [١] وأنا كفيل بهذا عن أصحابي.

قال أسيّدهم أنت؟ قال: لا ولكن المسلمون كالجسد الواحد يجيز بعضهم عن بعض يجيز أدناهم على أعلاهم. فخلا رستم برؤساء قومه وقال: رأيتم كلاما قط مثل كلام هذا الرجل؟ فأروه الاستخفاف بشأنه وثيابه. فقال: ويحكم إنما انظر إلى الرأي والكلام والسيرة والعرب تستخف اللّباس وتصون الأحساب.

ثم أرسل إلى سعد أن ابعث إلينا ذلك الرجل، فبعث إليهم حذيفة بن محصن [٢] ففعل كما فعل الأول ولم ينزل عن فرسه وتكلم وأجاب مثل الأول، فقال له: ما قعد بالأول عنا؟ فقال: أميرنا يعدل بيننا في الشدة والرخاء وهذه نوبتي. فقال رستم:

والمواعدة إلى متى؟ فقال: إلى ثلاث من أمس وانصرف. وحاص رستم بأصحابه يعجبهم من شأن القوم. وبعث في الغد عن آخر فجاءه المغيرة بن شعبة فلمّا وصل إليهم وهم على زيهم وبسطهم على غلوة من مجلس رستم فجاء المغيرة حتى جلس معه على سريره فأنزلوه، فقال: لا أرى قوما أسفه منا معشر العرب لا نستعبد بعضا بعضا فظننتكم كذلك وكان أحسن بكم أن تخبروني أن بعضكم أرباب بعض مع أني لم آتكم وإنما دعوتموني فقد علمت أنكم مغلوبون ولم يقم ملك على هذه السيرة.

فقالت السفلة: صدق والله العربيّ، وقالت الأساطين [٣] : لقد رمانا بكلام لا تزال عبيدنا ينزعون إليه قاتل الله من يصغر أمر هذه الأمة. ثم تكلم رستم فعظم من


[١] وفي نسخة ثانية: إلا أن تبذلوا.
[٢] وفي النسخة الباريسية: ابن حصن.
[٣] وفي نسخة ثانية: الدهاقين.

<<  <  ج: ص:  >  >>