للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم أرسل سعد عمرو بن معديكرب وطليحة الأسديّ طليعة فلما ساروا فرسخا وبعضه، لقوا المسالح فرجع عمرو، ومضى طليحة حتى وصل عسكر رستم وبات فيه وهتك أطناب خيمة أو خيمتين واقتاد بعض الخيل وخرج يعدو به فرسه، ونذر به الفرس فركبوا في طلبه إلى أن أصبح وهم في أثره فكرّ على فارس فقتله ثم آخر وأسر الرابع، وشارف عسكر المسلمين فرجعوا عنه، ودخل طليحة على سعد بالفارسي ولم يخلف بعده فيهم مثله فأسلم ولزم طليحة.

ثم سار رستم فنزل القادسية بعد ستة أشهر من المدائن، وكان يطاول خوفا وتقيّة، والملك يستحثّه وكان رأى في منامه كأن ملكا نزل من السماء ومعه النبيّ صلى الله عليه وسلم ودفعه النبي إلى عمر فحزن لذلك أهل فارس في سيره. ولمّا وصل القادسية وقف على العتيق حيال عسكر المسلمين والناس يتلاحقون حتى اغتموا من كثرتهم، وركب رستم غداة تلك الليلة وصعد مع النهر وصوّب [١] حتى وقف على القنطرة، وأرسل إلى زهرة فواقفه وعرض له بالصلح. وقال: كنتم جيراننا وكنّا نحسن إليكم ونحفظكم ويقرّر صنيعهم مع العرب ويقول زهرة: ليس أمرنا بذلك [٢] وإنما طلبنا الآخرة وقد كنا كما ذكرت إلى أن بعث الله فينا رسولا دعانا الى دين الحق فأجبناه.

وقال: قد سلطتكم على من لم يدن به وأنا منتقم بكم منهم وأجعل لكم الغلبة.

فقال رستم: وما هو دين الحق. فقال: الشهادتان وإخراج الناس من عبادة الخلق إلى عبادة الله وأنتم إخوان في ذلك. فقال رستم: فإن أجبنا إلى هذا ترجعون؟

فقال: إي والله فانصرف عنه رستم. ودعا رجال فارس وذكر ذلك لهم فأنفوا، وأرسل الى سعد أن ابعث لنا رجلا نكلمه ويكلمنا، فبعث إليهم ربعي بن عامر وحبسوه على القنطرة حتى أعلموا رستم، فجلس على سرير من ذهب وبسط النمارق والوسائد منسوجة بالذهب، وأقبل ربعي على فرسه وسيفه في خرقة ورمحه مشدودة بعصب، وقدم حتى انتهى الى البساط ووطئه بفرسه، ثم نزل وربطها بوسادتين شقهما وجعل الحبل فيهما، فلم يقبلوا ذلك وأظهروا التهاون. ثم أخذ عباءة بعيره فاشتملها، وأشاروا إليه بوضع سلاحه فقال: لو أتيتكم فعلت كذا فأمركم وإنما دعوتموني، ثم أقبل يتوكأ على رمحه ويقارب خطوه حتى أفسد ما مرّ عليه من البسط،


[١] وفي نسخة ثانية: وصوّت.
[٢] وفي نسخة ثانية: من أولئك.

<<  <  ج: ص:  >  >>