التّعلّق به روحانيّة أخرى شيطانيّة تتشبّث به وتضعف هذه عن ممانعتها فيكون عنه التّخبّط فإذا أصابه ذلك التّخبّط إمّا لفساد مزاجه من فساد في ذاتها أو لمزاحمة من النّفوس الشّيطانيّة في تعلّقه غاب عن حسّه جملة فأدرك لمحة من عالم نفسه وانطبع فيها بعض الصّور وصرفها الخيال وربّما نطق عن لسانه في تلك الحال من غير إرادة النّطق وإدراك هؤلاء كلّهم مشوب فيه الحقّ بالباطل لأنّه لا يحصل لهم الاتّصال وإن فقدوا الحسّ إلّا بعد الاستعانة بالتّصوّرات الأجنبيّة كما قرّرناه ومن ذلك يجيء الكذب في هذه المدارك وأمّا العرّافون فهم المتعلّقون بهذا الإدراك وليس لهم ذلك الاتّصال فيسلّطون الفكر على الأمر الّذي يتوجّهون إليه ويأخذون فيه بالظّنّ والتّخمين بناء على ما يتوهّمونه من مبادئ ذلك الاتّصال والإدراك ويدّعون بذلك معرفة الغيب وليس منه على الحقيقة هذا تحصيل هذه الأمور وقد تكلّم عليها المسعودي في مروج الذّهب فما صادف تحقيقا ولا إصابة ويظهر من كلام الرّجل أنّه كان بعيدا عن الرّسوخ في المعارف فينقل ما سمع من أهله ومن غير أهله وهذه الإدراكات الّتي ذكرناها موجودة كلّها في نوع البشر فقد كان العرب يفزعون إلى الكهّان في تعرّف الحوادث ويتنافرون إليهم في الخصومات ليعرّفوهم بالحقّ فيها من إدراك غيبهم وفي كتب أهل الأدب كثير من ذلك واشتهر منهم في الجاهليّة شقّ بن أنمار بن نزار وسطيح بن مازن بن غسّان وكان يدرج كما يدرج الثّوب ولا عظم فيه إلّا الجمجمة ومن مشهور الحكايات عنهما تأويل رؤيا ربيعة بن مضر وما أخبراه به ملك الحبشة لليمن وملك مضر من بعدهم وظهور النّبوة المحمّديّة في قريش ورؤيا الموبذان الّتي أوّلها سطيح لمّا بعث إليه بها كسرى عبد المسيح فأخبره بشأن النّبوة وخراب ملك فارس وهذه كلّها مشهورة وكذلك العرّافون كان في العرب منهم كثير وذكروهم في أشعارهم قال
فقلت لعرّاف اليمامة داوني ... فإنّك إن داويتني لطبيب
وقال الآخر:
جعلت لعرّاف اليمامة حكمه ... وعرّاف نجد إن هما شفياني