للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العتيق، ثم عاد وقد أصبح الفرس على مواقفهم وأعادوا الصناديق على الفيلة وأحدقوا الرجال بها يحمونها أن تقطع وضنها، وأقام الفرسان يحمون الرجالة فلم تنفر خيل المسلمين منها. وكان هذا اليوم يوم عماس وكان شديدا، إلا أن الطائفتين فيه سواء وأبلى فيه قيس بن المكشوح وعمرو بن معديكرب، زحفت الفيلة وفرّقت بين الكتائب. وأرسل سعد إلى القعقاع وعاصم أن أكفياني الأبيض وكان بإزائهما، وإلى محمل والذميل [١] أن أكفياني الأجرب وكان بإزائهما، فحملوا على الفيلين فقتل الأبيض ومن كان عليه وقطع مشفر الأجرب وفقئت عينه وضرب سائسه الذميل بالطبرزين فأفلت جريحا، وتحيّر الأجرب بين الطائفتين وألقى نفسه في العتيق واتبعته الفيلة وخرقت [٢] صفوف الأعاجم في اثره، وقصدت المدائن بثوابتها [٣] وهلك جميع من فيها. وخلص المسلمون والفرس فاختلفوا على سواء إلى المساء واقتتلوا بقية ليلتهم وتسمى ليلة الهرير.

فأرسل سعد طليحة وعمرا إلى محاضة أسفل السكر يقومون عليها خشية أن يؤتى المسلمون منها، فتشاوروا أن يأتوا الأعاجم من خلفهم، فجاء طليحة وراء العسكر وكبر فارتاع أهل فارس، فأغار عمرو أسفل المخاضة ورجع وزاحفهم الناس دون إذن سعد وأوّل من زاحفهم من الناس دون إذن سعد زاحفهم القعقاع وقومه فحمل عليهم، ثم حمل بنو أسد ثم النخع ثم بحيلة ثم كندة، وسعد يقول في كل واحدة اللَّهمّ اغفر لهم وانصرهم. وقد كان قال لهم إذا كبرت ثلاثا فاحملوا، فلما كبر الثالثة لحق الناس بعضهم بعضا صلاة العشاء واختلطوا وصليل الحديد كصوت القرن إلى الصباح.

وركدت الحرب وانقطعت الأخبار والأصوات عن سعد ورستم وأقبل سعد على الدعاء، وسمع نصف الليل صوت القعقاع في جماعة من الرؤساء إلى رستم حتى خالطوا صفه مع الصبح فحمل الناس من كل جهة على من يليهم واقتتلوا إلى قائم ظهيرة، فناجز الفيرزان والهرمزان بعض الشيء وانفرج القلب، وهبت ريح عاصف فقلبت طيارة رستم عن سريره فهوت في العتيق، وانتهى القعقاع ومن معه إلى السرير


[١] وفي نسخة ثانية: الدّميل.
[٢] وفي نسخة ثانية: وفرقت.
[٣] وفي نسخة ثانية: بوثوبها.

<<  <  ج: ص:  >  >>