وقد قام رستم عنه فاستظل في ظل بغل وحمله، وضرب هلال بن علقمة الحمل فوقع أحد العدلين على رستم فكسر ظهره، وضربه هلال ضربة نفحت مسكا وضرب نحو العتيق فرمى بنفسه فيه فاقتحم هلال وجرّه برجله فقتله، وصعد السرير وقال:
قتلت رستم ورب الكعبة إليّ إليّ. فأطافوا به وكبروا. وقيل إن هلالا لما قصد رستم رماه بسهم، فأثبت قدمه بالركاب ثم حمل عليه، فقتله واحتز رأسه ونادى في الناس قتلت رستم.
فانهزم قلب المشركين وقام الجالنوس على الردم ونادى الفرس إلى العبو، وتهافت المقترنون بالسلاسل في العتيق وكانوا ثلاثين فهلكوا، وأخذ ضرار بن الخطاب راية الفرس العظيمة وهي درفش كابيان فعوض منها ثلاثين ألفا وكانت قيمتها ألف ألف ومائة ألف ألف، وقتل ذلك اليوم من الأعاجم عشرة آلاف في المعركة، وقتل من المشركين في ذلك اليوم ستة آلاف دفنوا بالخندق سوى ألفين وخمسمائة قتلوا ليلة الهرير، وجمع من الأسلاب والأموال ما لم يجمع قبله ولا بعده مثله. ونفل سعد هلال بن علقمة سلب رستم، وأمر القعقاع وشرحبيل باتباع العدوّ وقد كان خرج زهرة بن حيوة قبلهما في آثارهم، فلحق الجالنوس يجمع المنهزمين فقتله وأخذ سلبه، فتوقف سعد من عطائه، وكتب إلى عمر، فكتب إليه: تعمد إلى مثل زهرة وقد صلى بمثل ما صلى به وقد بقي عليك من حربك ما بقي تفسد قلبه أمض له سلبه وفضله على أصحابه في العطاء بخمسمائة.
ولحق سلمان بن ربيعة الباهلي وأخذه عبد الرحمن بطائفة من الفرس قد استماتوا فقتلوهم أجمعين، واستمات بعد الهزيمة بضعة وثلاثون رئيسا من المسلمين فقتلوهم أجمعين. وكان ممن هرب من أمراء الفرس الهرمزان وأهودوزاد بيهس [١] وقارن، وممن استمات فقتل شهريار بن كبارا وأسر المدمرون والفردان الأهوازي وحشر شوم الهمدانيّ. وكتب سعد إلى عمر بالفتح وبمن أصيب من المسلمين، وكان عمر يسأل الركبان حين يصبح إلى انتصاف النهار ثم يرجع إلى أهله، فلما ألفى البشرى قال: من أين؟ فأخبره فقال: حدّثني فقال: هزم الله المشركين. ففرح بذلك. وأقام المسلمون بالقادسية ينتظرون كتاب عمر إلى أن وصلهم بالإقامة. وكانت وقعة القادسية سنة أربع عشرة وقيل خمس عشرة وقيل ست عشرة.