على أنقى من الراحلة. ثم دعي أبا طلحة الأنصاري فقال: قم على باب هؤلاء ولا تدع أحدا يدخل إليهم حتى يقضوا أمرهم. ثم قال: يا عبد الله بن عمر اخرج فانظر من قتلني؟ قال يا أمير المؤمنين: قتلك أبو لؤلؤة غلام المغيرة. قال: الحمد للَّه الّذي لم يجعل منيتي بيد رجل سجد للَّه سجدة واحدة. ثم بعث إلى عائشة يستأذنها في دفنه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر فأذنت له. ثم قال: يا عبد الله إن اختلف القوم فكن مع الأكثر، فان تساووا فكن مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف.
ثم أذن للناس فدخل المهاجرون والأنصار فقال لهم: أهذا عن ملأ منكم؟ فقالوا:
معاذ الله. وجاء علي وابن عباس فقعدوا عند رأسه، وجاء الطبيب فسقاه نبيذا فخرج متغيّرا ثم لبنا فخرج كذلك، فقال له: أعهد. قال: قد فعلت. ولم يزل يذكر الله إلى أن توفي ليلة الأربعاء لثلاث بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين، وصلّى عليه صهيب وذلك لعشر سنين وستة أشهر من خلافته.
وجاء أبو طلحة الأنصاري ومعه المقداد بن الأسود، وقد كان أمرهما عمر أن يجمعا هؤلاء الرهط الستة في مكان ويلزماهم أن يقدّموا للناس من يختاروه [١] منهم وإن اختلفوا كان الاتباع للاكثر وإن تساووا حكّموا عبد الله بن عمر أو اتبعوا عبد الرحمن بن عوف، ويؤجلوهم في ذلك ثلاثا يصلي فيهم بالناس صهيب ويحضر عبد الله بن عمر معهم مشيرا ليس له شيء من الأمر وطلحة شريكهم ان قدم في الثلاث ليال.
فجمعهم أبو طلحة والمقداد في بيت المسوّر بن مخرمة وقيل في بيت عائشة، وجاء عمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة فجلسا بالباب فحصبهما سعد وأقامهما وقال:
تريدان أن تقولا حضرنا وكنا في أهل الشورى. ثم دار بينهما الكلام وتنافسوا في الأمر، فقال: عبد الرحمن أيّكم يخرج منها نفسه ويجتهد فيوليها أفضلكم وأنا أفعل ذلك؟
فرضي القوم وسكت علي. فقال: ما تقول على شريطة أن تؤثر الحق ولا تتبع الهوى ولا تخصّ ذا رحم ولا تألوا الأمّة نصحا وتعطينا العهد بذلك. قال: وتعطوني أنتم مواثيقكم على أن تكونوا معي على من خالف وترضوا من اخترت وتواثقوا. ثم قال لعليّ: أنت أحق من حضر بقرابتك وسوابقك وحسن أثرك في الدين ولم تبعد في نفسك فمن ترى أحق فيه بعدك من هؤلاء؟ قال: عثمان. وخلا بعثمان فقال له مثل ذلك فقال: عليّ.
[١] الصواب يختارونه لانه لم يتقدم الفعل ما يحذف النون.