للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لم يبق له عذر في قبول التّكاليف لإصلاح معاده وليس من فقد هذه الصّفة بفاقد لنفسه ولا ذاهل عن حقيقته فيكون موجود الحقيقة معدوم العقل التّكليفيّ الّذي هو معرفة المعاش ولا استحالة في ذلك ولا يتوقّف اصطفاء الله عباده للمعرفة على شيء من التّكاليف وإذا صحّ ذلك فاعلم أنّه ربّما يلتبس حال هؤلاء بالمجانين الّذين تفسد نفوسهم النّاطقة ويلتحقون بالبهائم ولك في تمييزهم علامات منها أنّ هؤلاء البهاليل لا تجد لهم وجهة أصلا ومنها أنّهم يخلقون على البله من أوّل نشأتهم والمجانين يعرض لهم الجنون بعد مدّة من العمر لعوارض بدنيّة طبيعيّة فإذا عرض لهم ذلك وفسدت نفوسهم النّاطقة ذهبوا بالخيبة ومنها كثرة تصرّفهم في النّاس بالخير والشّرّ لأنّهم لا يتوقّفون على إذن لعدم التّكليف في حقّهم والمجانين لا تصرّف لهم وهذا فصل انتهى بنا الكلام إليه والله المرشد للصّواب.

وقد يزعم بعض النّاس أنّ هنا مدارك [١] للغيب من دون غيبة عن الحسّ فمنهم المنجّمون القائلون بالدّلالات النّجوميّة ومقتضى أوضاعها في الفلك وآثارها في العناصر وما يحصل من الامتزاج بين طباعها بالتّناظر ويتأدّى من ذلك المزاج إلى الهواء وهؤلاء المنجّمون ليسوا من الغيب في شيء إنّما هي ظنون حدسيّة وتخمينات مبنيّة على التّآثير النّجوميّة وحصول المزاج منه للهواء مع مزيد حدس يقف به النّاظر على تفصيله في الشّخصيّات في العالم كما قاله بطليموس ونحن نبيّن بطلان ذلك في محلّه إن شاء الله وهو لو ثبت فغايته حدس وتخمين وليس ممّا ذكرناه في شيء. ومن هؤلاء قوم من العامّة استنبطوا لاستخراج الغيب وتعرّف الكائنات صناعة سمّوها خطّ الرّمل نسبة إلى المادّة الّتي يضعون فيها عملهم ومحصول هذه الصّناعة أنّهم صيّروا من النّقط أشكالا ذات أربع مراتب تختلف باختلاف مراتبها في الزّوجيّة والفرديّة واستوائها فيهما فكانت ستّة عشر


[١] كذا في جميع النسخ والكلمة ضعيفة والأصح أن يقال: قد يظن البعض أن هنا من يدرك الغيب.
فتنسجم العبارة كلها.

<<  <  ج: ص:  >  >>