للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عائشة ابنته رضي الله عنهما في شأن ما نحلها [١] من أوسق [٢] التّمر من حديقته ثمّ نبّهها على جذاذه لتحوّزه [٣] عن الورثة فقال في سياق كلامه «وإنّما هما أخواك وأختاك» فقالت: «إنّما هي أسماء فمن الأخرى؟» فقال: «إنّ ذا بطن بنت خارجة أراها جارية» فكانت جارية وقع في الموطّإ في باب ما لا يجوز من النّحل ومثل هذه الوقائع كثيرة لهم ولمن بعدهم من الصّالحين وأهل الاقتداء إلّا أنّ أهل التّصوّف يقولون إنّه يقلّ في زمن النّبوة إذ لا يبقى للمريد حالة بحضرة النّبيّ حتّى إنّهم يقولون إنّ المريد إذا جاء للمدينة النّبويّة يسلب حاله ما دام فيها حتّى يفارقها والله يرزقنا الهداية ويرشدنا إلى الحقّ.

ومن هؤلاء المريدين من المتصوّفة قوم بهاليل [٤] معتوهون أشبه بالمجانين من العقلاء وهم مع ذلك قد صحّت لهم مقامات الولاية وأحوال الصّدّيقين وعلم ذلك من أحوالهم من يفهم عنهم من أهل الذّوق [٥] مع أنّهم غير مكلّفين ويقع لهم من الأخبار عن المغيّبات عجائب لأنّهم لا يتقيّدون بشيء فيطلقون كلامهم في ذلك ويأتون منه بالعجائب وربّما ينكر الفقهاء أنّهم على شيء من المقامات لما يرون من سقوط التّكليف عنهم والولاية لا تحصل إلّا بالعبادة وهو غلط فإنّ فضل الله يؤتيه من يشاء ولا يتوقّف حصول الولاية على العبادة ولا غيرها وإذا كانت النّفس الإنسانيّة ثابتة الوجود فاللَّه تعالى يخصّها بما شاء من مواهبه وهؤلاء القوم لم تعدم نفوسهم النّاطقة ولا فسدت كحال المجانين وإنّما فقد لهم العقل الّذي يناط به التّكليف وهي صفة خاصّة للنّفس وهي علوم ضروريّة للإنسان يشتدّ بها نظره ويعرف أحوال معاشه واستقامة منزله وكأنّه إذا ميّز أحوال معاشه واستقامة منزله


[١] نحلة: أعطاه. ولكن هنا تعني خصّها. والأصح أن يقول أنحلها.
[٢] أوسق: ج وسق: وهو وزن ستين صاعا أو حمل بعير.
[٣] لتختص به.
[٤] بهاليل: ج بهلول وهو السيد الجامع لكل خير، والمعنى الشائع لكلمة البهلول هو المعتوه.
[٥] أهل الذوق: (الذين يتاح لهم أن يذوقوا حلاوة المعرفة الإلهية) .

<<  <  ج: ص:  >  >>