في خلطة الناس فصانعوهم وإذا التقى الناس غدا فانشبوا القتال فلا يجدون بدّا منه ويشغلهم الله عما تكرهون، وافترقوا على ذلك.
وأصبح عليّ راحلا حتى نزل على عبد القيس فانضموا اليه وساروا معه فنزل الزاوية، وسار من الزاوية إلى البصرة. وسار طلحة والزبير وعائشة من الفرضة والتقوا بموضع قصر عبيد الله بن زياد منتصف جمادى الآخرة، وتراسلت بكر بن وائل وعبد القيس وجاءوا إلى عليّ رضي الله عنه فكانوا معه، وأشار على الزبير بعض أصحابه أن يناجز القتال، فاعتذر بما وقع بينه وبين القعقاع. وطلب من عليّ رضي الله تعالى عنه أصحابه مثل ذلك فأبى وسئل ما حالنا وحالهم في القتلى؟ فقال: أرجو أن لا يقتل منّا ومنهم أحد نقي قلبه للَّه إلّا أدخله الله الجنة، ونهى عن قتالهم وبعث إليهم حكيم بن سلام ومالك بن حبيب إن كنتم على ما جاء به القعقاع فكفّوا حتى ننزل وننظر في الأمر، وجاءه الأحنف بن قيس وكان معتزلا عن القوم وقد كان بايع عليا بالمدينة بعد قتل عثمان مرجعه من الحج، قال الأحنف: ولم أبايعه حتى لقيت طلحة والزبير وعائشة بالمدينة وعثمان محصور وعلمت أنه مقتول فقلت لهم من أبايع بعده؟ قالوا عليّا فلما رجعت وقد قتل عثمان بايعت عليّا فلما جاءوا إلى البصرة دعوني إلى قتال عليّ فحرت في أمري بين خذلانهم أو خلع طاعتي، فقلت: ألم تأمروني بمبايعته؟ قالوا نعم لكنه بدّل وغير فقلت لا أنقض بيعتي ولا أقاتل أمّ المؤمنين، ولكن أعتزل، ونزل بالجلحاء على فرسخين من البصرة في زهاء ستة آلاف، فلما قدم عليّ جاءه وخيره بين القتال معه أو كف عشرة آلاف سيف عنه، فاختار الكفّ ونادى في تميم وبني سعد فأجابوه فاعتزل بهم حتى ظفر عليّ فرجع إليه واتبعه. ولما تراءى الجمعان خرج طلحة والزبير وجاءهم عليّ حتى اختلفت أعناق دوابهم. فقال عليّ: لقد أعددتما سلاحا وخيلا ورجالا إن كنتما أعددتما عند الله عذرا ألم أكن أخاكما في دينكما تحرّمان دمي وأحرّم دمكما فهل من حديث أحلّ لكما دمي قال طلحة: ألّبت على عثمان! قال عليّ: يومئذ يوفيهم الله دينهم الحقّ فلعن الله قتلة عثمان يا طلحة. أما بايعتني؟
قال: والسيف على عنقي. ثم قال للزبير: أتذكر يوم قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم لتقاتلّنه وأنت له ظالم؟ قال اللَّهمّ نعم ولو ذكرت قبل مسيري ما سرت.
وو الله لا أقاتلك أبدا وافترقوا. فقال عليّ لأصحابه: إنّ الزبير قد عهد أن لا يقاتلكم. ورجع الزبير إلى عائشة وقال: ما كنت في موطن منذ عقلت إلا وأنا