ولما قتل عمّار حمل عليّ وحمل معه ربيعة ومضر وهمذان حملة منكرة فلم يبق لأهل الشام صف إلّا انتقض حتى بلغوا معاوية فناداه عليّ: علام يقتل الناس بيننا هلمّ أحاكمك إلى الله فأينا قتل صاحبه استقام له الأمر، فقال له عمرو: أنصفك.
فقال له معاوية: لكنك ما أنصفت. وأسر يومئذ جماعة من أصحاب عليّ فترك سبيلهم، وكذلك فعل عليّ، ومرّ عليّ بكتيبة من الشام قد ثبتوا فبعث إليهم محمد ابن الحنفية فازالهم عن مواقفهم، وصرح عبد الله بن كعب المرادي فمرّ به الأسود بن قيس فأوصاه بتقوى الله والقتال مع عليّ، وقال أبلغه عني السلام، وقال له قاتل على [١] المعركة حتى تجعلها خلف ظهرك فإنه من أصبح غدا والمعركة خلف ظهره فإنه العالي.
ثم اقتتل الناس إلى الصباح وهي ليلة الجمعة وتسمّي ليلة الهرير، وعليّ يسير بين الصفوف ويحرّض كل كتيبة على التقدّم حتى أصبح والمعركة كلها خلف ظهره، والأشتر في الميمنة وابن عبّاس في الميسرة والناس يقتتلون من كل جانب وذلك يوم الجمعة. ثم ركب الأشتر ودعا الناس إلى الحملة على أهل الشام فحمل حتى انتهى إلى عسكرهم وقتل صاحب رايتهم، وأمدّه عليّ بالرجال، فلما رأى عمرو شدّة أهل العراق وخاف على أصحابه الهلاك، قال لمعاوية: مر الناس يرفعون المصاحف على الرماح ويقولون كتاب الله بيننا وبينكم فإن قبلوا ذلك ارتفع عنّا القتال وإن أبى بعضهم وجدنا في افتراقهم راحة. ففعلوا ذلك، فقال الناس: نجيب إلى كتاب الله فقال لهم عليّ: «يا عباد الله امضوا على حقكم وقتال عدوّكم فإنّ معاوية وابن أبي معيط وحبيبا وابن أبي سرح والضحّاك ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن أنا أعرف بهم صحبتهم أطفالا ورجالا فكانوا شرّ أطفال وشرّ رجال، ويحكم والله ما رفعوها إلّا مكيدة وخديعة» . فقالوا: لا يسعنا أن ندعى إلى كتاب الله فلا نقبل، فقال: إنما قتلناهم ليدينوا بكتاب الله فإنّهم نبذوه. فقال له مسعر بن فدك التميميّ وزيد بن حصين الطائي في عصابة من القرّاء الذين صاروا خوارج بعد ذلك: يا عليّ أجب الى كتاب الله وإلّا دفعنا برمتك إلى القوم. أو فعلنا بك ما فعلنا بابن عفّان. فقال:
إن تطيعوني فقاتلوا وإن تعصوني فافعلوا ما بدا لكم، قالوا: فابعث إلى الأشتر وكفّه عن القتال، فبعث إليه يزيد بن هانئ بذلك فأبى، وقال:، قد رجوت أن يفتح