للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان ممن فارقه ابناه حمزة وحبيب، وأقام ابنه الزبير حتى قتل معه. وحرّض الناس الحجّاج وقال: قد ترون قلّة أصحاب ابن الزبير وما هم فيه من الجهد والضيق فتقدّموا واملؤا ما بين الحجون والأبواء فدخل ابن الزبير على أمّه أسماء وقال يا أمّه قد خذلني الناس حتى ولدي والقوم يعطونني ما أردت من الدنيا فما رأيك؟ فقالت له:

أنت أعلم بنفسك إن كنت على حق وتدعو إليه فامض له فقد قتل عليه أصحابك، ولا تمكن من رقبتك وقد بلغت بها علمين بين بني أميّة. وإن كنت إنما أردت الدنيا فبئس العبد أنت، أهلكت نفسك ومن قتل معك وإن قلت كنت على حق فلما وهن أصحابي ضعفت فليس هذا فعل الأحرار ولا أهل الدين فقال: يا أمّه أخاف أن يمثّلوا بي ويصلبوني فقالت: يا بني الشاة إذا ذبحت لا تتألم بالسلخ، فامض على بصيرتك واستعن باللَّه فقبّل رأسها وقال هذا رأيي والّذي خرجت به داعيا إلى يومي هذا، وما ركنت إلى الدنيا ولا أحببت الحياة وما أخرجني إلّا الغضب للَّه وأن تستحلّ حرماته، ولكن أحببت أن أعلم رأيك فقد زدتيني [١] بصيرة وإني يا أمّه في يومي هذا مقتول فلا يشتدّ حزنك وسلّمي لأمر الله، فإنّ ابنك لم يتعمد إتيان منكر ولا عمد بفاحشة ولم يجر ولم يغدر ولم يظلم ولم يقر على الظلم، ولم يكن آثر عندي من رضا الله تعالى. اللَّهمّ لا أقر هذا تزكية لنفسي لكن تعزية لأمي حتى تسلو عني فقالت: إني لأرجو أن يكون عزائي فيك جميلا إن تقدّمتني احتسبتك وإن ظفرت سررت بظفرك. ثم قالت: أخرج حتى انظر ما يصير أمرك جزاك الله خيرا. قال: فلا تدعي الدعاء لي، فدعت له وودّعها وودّعته ولما عانقته للوداع وقعت يدها على الدرع فقالت: ما هذا صنيع من يريد ما تريد! فقال: ما لبستها إلا لأشدّ منك فقالت: إنه لا يشدّ مني فنزعها وقالت له البس ثيابك مشمرة ثم خرج فحمل على أهل الشام حملة منكرة فقتل منهم ثم انكشف هو وأصحابه وأشار عليه بعضهم بالفرار فقال: بئس الشيخ إذن أنا في الإسلام إذا واقعت قوما فقتلوا ثم فررت عن مثل مصارعهم وامتلأت أبواب المسجد بأهل الشام والحجّاج وطارق بناحية الأبطح إلى المروة وابن الزبير يحمل على هؤلاء وعلى هؤلاء وينادي أبا صفوان لعبد الله بن صفوان بن أميّة بن خلف فيجيبه من جانب المعترك ولما رأى الحجّاج إحجام الناس عن ابن الزبير غضب وترجل وحمل إلى صاحب الراية بين يديه فتقدّم ابن الزبير


[١] الأصح ان يقول زدتني.

<<  <  ج: ص:  >  >>