أصحابه لبعضهم شيئا من المتاع والسلاح، ولحقوا بهم ولحق يزيد بمرو. ثم سأل أهل كشّ من المهلب الصلح على مال يعطونه، فاسترهن منهم رهنا من أبنائهم في ذلك، وانفتل المهلّب وخلّف حريث بن قطنة مولى خزاعة ليأخذ الفدية ويردّ الرهن، فلما صار ببلخ كتب إليه: لا تخل الرهن وإن قبضت الفدية حتى تقدم أرض بلخ لئلا يغيروا عليك فأقرأ صاحب كشّ كتابه وقال: إن عجلت أعطيتك الرهن، وأقول له جاء الكتاب بعد إعطائه. فعجّل صاحب كشّ بالفدية وأخذ الرهن وعرض له الترك كما عرضوا ليزيد وقاتلهم فقتلهم وأسر منهم أسرى، ففدوهم فردا فردا وأطلقهم. ولما وصل إلى المهلّب ضربه ثلاثين سوطا عقوبة على مخالفة كتابه في الرهن. فحلف حريث بن قطنة ليقتلنّ المهلب، وخاف ثابتا أن كان ذلك المسير إليه فبعث إليه المهلب أخاه ثابت بن قطنة يلاطفه فأبى وحلف ليقتلن المهلب، وخاف ثابت إن كان ذلك أن يقتلوا جميعا فأشار عليه باللحاق بموسى بن عبد الله بن حازم، فلحق به في ثلاثمائة من أصحابهما. (ثم هلك المهلّب) واستخلف ابنه يزيد، وأوصى ابنه حبيبا بالصلاة وأوصى ولده جميعا بالاجتماع والألفة، ثم قال:
أوصيكم بتقوى الله وصلة الرحم فإنها تنسئ في الأجل وتثري المال وتكثر العدد وأنها كم عن القطيعة، فإنّها تعقب النار والذلة والقلة، وعليكم بالطاعة والجماعة ولتكن فعالكم أفضل من مقالكم واتقوا الجواب وزلة اللسان فإنّ الرجل تزلّ قدمه فينعش ويزلّ لسانه فيهلك واعرفوا لمن يغشاكم حقه فكفى بغدو الرجل ورواحه إليكم تذكرة له. وآثروا الجود على البخل وأحبوا العرف واصنعوا المعروف، فإنّ الرجل من العرب تعده العدة فيموت فكيف بالصنيعة عنده. وعليكم في الحرب بالتؤدة والمكيدة فإنّها أنفع من الشجاعة، وإذا كان اللقاء نزل القضاء وإن أخذ الرجل بالحزم فظفر قيل أتى الأمر من وجهه فظفر، وإن لم يظفر قيل ما فرّط ولا ضيّع ولكن القضاء غالب.
وعليكم بقراءة القرآن وتعلم السنن وآداب الصالحين وإياكم وكثرة الكلام في مجالسكم. ثم مات وذلك سنة اثنتين وثمانين. (ويقال) إنه لما حثّهم على الألفة والاجتماع أحضر سهاما محزومة فقال: أتكسرون هذه مجتمعة؟ قالوا: لا. قال:
فتكسرونها مفترقة؟ قالوا: نعم. قال: فهكذا الجماعة. واستولى يزيد على خراسان بعد أبيه وكتب له الحجّاج بالعهد عليها ثم وضع العيون على بيزك حتى بلغه خروجه عن قلعته فسار إليها وحاصرها ففتحها وغنم ما كان فيها من الأموال والذخائر، وكانت