له، فلقي أبا مسلم وتوسل إليه وأخبره الخبر فطابت نفسه وذهب عنه الحزن. ولما قرب أمر الناس بتلقيه ثم دخل على المنصور فقبّل يده وانصرف ليريح ليلته، ودعا المنصور من الغد حاجبه عثمان بن نهيك وأربعة من الحرس منهم شبيب بن رواح وابن حنيفة حرب بن قيس، وأجلسهم خلف الرواق، وأمرهم بقتل أبي مسلم إذا صفّق بيديه. واستدعى أبا مسلم، فلما دخل سأله عن سيفين أصابهما لعمّه عبد الله بن عليّ وكان متقلدا بأحدهما فقال: هذا أحدهما! فقال: أرني فانتضاه أبو مسلم وناوله إياه فأخذ يقلبه بيده ويهزّه. ثم وضعه تحت فراشه، وأقبل يعاتبه فقال: كتبت إلى السفّاح تنهاه عن الموت كأنك تعلمه: قال: ظننت أنه لا يحلّ، ثم اقتديت بكتاب السفّاح وعلمت أنكم معدن العلم. قال فتوركك عني بطريق مكة! قال كرهت مزاحمتك على الماء قال فامتناعك من الرجوع إليّ حين بلغك موت السفّاح أو الإقامة حتى ألحقك! قال: طلبت الرّفق بالناس والمبادرة إلى الكوفة! قال: فجارية عبد الله بن عليّ أردت أن تتخذها لنفسك! قال: لا إنما وكانت بها من يحفظها.
قال: فمراغمتك ومسيرك إلى خراسان قال: خشيت منك فقلت آتي خراساني وأكتب بعذري فأذهب ما في نفسك مني! قال فالمال الّذي جمعته بحرّان! قال أنفقته في الجند تقوية لكم. قال ألست الكاتب إليّ تبدأ بنفسك وتخطب آسية بنت عليّ وتزعم أنك ابن سليط بن عبد الله بن عبّاس؟ لقد ارتقيت لا أمّ لك مرتقى صعبا. ثم قال له: وما الّذي دعاك إلى قتل سليمان بن كثيّر مع أثره في دعوتنا، وهو أحد نقبائنا من قبل أن ندخلك في هذا الأمر؟ قال: أراد الخلافة فقتلته. ثم قال أبو مسلم: كيف يقال هذا بعد بلائي وما كان مني؟ قال: يا ابن الخبيثة لو كانت أمة مكانك لأغنت إنما ذلك بدولتنا وربحنا. وأكبّ أبو مسلم يقبل يده ويعتذر فازداد المنصور غضبا. ثم قال أبو مسلم دع هذا فقد أصبحت لا أخاف إلا الله فشتمه المنصور وصفّق بيديه فخرج الحرس وضربه عثمان بن نهيك فقطع حمائل سيفه فقال: استبقني لعدوّك فقال: لا أبقاني الله إذا وأي عدوّ أعدى منك وأخذه الحرس بسيوفهم حتى قتلوه، بذلك لخمس بقين من شعبان سنة سبع وثلاثين.
وخرج الوزير أبو الجهم فصرف الناس، وقال: الأمير قائل عند أمير المؤمنين فانصرفوا وأمر لهم بالجوائز وأعطى إسحاق مائة ألف ودخل عيسى بن موسى على المنصور فسأل عنه وأخذ في الثناء على طاعته وبلائه وذكر رأي الإمام إبراهيم فيه.